بتروا إيقاعَ لحن طفولتي...ووأدوا مهدَ ترانيم براءتي!!! أنا أحمد،محمد،حمزة..وغيرُنا كثر..طيورٌ غردت بأجنحةِ الأمل فوق غمامِ فضاءات الأحلام...أهازيجُها لحنٌ طفوليٌ عذب...ابتساماتُها أبجدياتُ براءة عفوية لم تحجبْها في يوم من الأيام سحاباتُ الكذب والخداع ولم تصاحبها في زمن الأقنعة المزيفة رياحُ الحقد والضغينة. أسرابُ طيورٍ غردت منتشية تتغنى بتراتيل الأمل وترسم بأنامل الحلم مستقبل صباحاتٍ مشرقةٍ بتباشير الأقحوان، أحلامُها لاتعرف الزمن والسنين،
تشق طريقها عبر مساحات الكون بحثاً عن مواطن الفرح دون أن تدري أن الفرح لن يطول هاماتها..وأن أحلامها سترتعش في يومٍ من الأيام ، وأن مخمل روحِها النقية سيتمزق في لحظةِ غدر، وأهازيجها العذبة، وابتساماتها الندية ستُدفن في سراديب الموت ومابين الظمأ والانطفاء سيموت لحنُ الطفولة، وتموت براعمُ الربيع قبل أن تُزهر لأن مراسيل الطغيان تجاوزت، ولأن الألم أحرق الأمل.. ولأن من أحرق زنبق الخمائل، واغتال غصن التين والزيتون..هو من أباح قطف زهور الطفولة قبل أن تثمر، ولأن من قيد أشرعة أحلام الطفولة، وصفد مراكب البراءة بالأغلال أجبرنا على النطق والبوح لنقول: أيُ زمنٍ هذا؟!! وأيُ ضميرٍ ذاك؟!! فالبراءة التي تشع من عيون الطفولة... لم تعد سوى سراب في قاموس القيم الإنسانية التي لم يعد لها وجود. أحمد الغامدي،حمزة الخطيب،محمد الدرة،وكثر من براعم الزهور لكلٍ منهم حكاية وحكاية ليست من نسج الخيال بل حكاية قهرٍ وذل على أرصفةِ الحياة... وحقدٍ وتجردٍ من إنسانية الإنسان، هي حكاية للتاريخ والزمن.. عنوانُها دماءٌ مغدورة ودموعٌ مقهورة نُسجت حروفها بريشةِ غصن زيتونٍ فلسطيني مدادها ماءُ وردٍ طائفي، وعبقُ رائحتِها ياسمينٌ دمشقي. أحمد الغامدي ذلك الطفل الوديع الذي بكته دُماه وحقيبة مدرسته..أحمد الذي بكته كل أم تعلم أن ثمرات القلوب هم زينة الحياة الدنيا وهبهم الله لنا لنرفع بهم أسهمَ السعادة عالياً في بيوتنا...هذا الطفل الذي كنا نرى في عينيه مسحة الحزن.. امتدت يدٌ ملوثة من خلف الستار لتغتصب براءة عالمه ، وتغتال سنوات عمره الطفولي ، وتنهي حياته قبل أن تبدأ !! ومِنْ مَن!!؟ من أمه الثانية التي تجردت من كل معاني الأمومة.. وتجمدت مشاعر وأحاسيس لغة الانثى بداخلها... وتحولت إلى وحشٍ بمخالب بشرية يقطع ويمزق...لينتهي الأمر بكيس نفاياتٍ مخضبٍ بدمٍ طاهرٍ نقي يُرمى في دهاليز مهجورة...ولتبقى قصاصات شرائط كفن أحمد الغامدي منديلاً لأبيه يمسح بها دمعة القهر والألم والحزن.
وعلى امتداد الزمان والمكان.. يبقى كل حرفٍ من حروفِ التعذيب والاغتيال يرقص على أشلاء براءة الأطفال لأنهم تغنوا بملحمةٍ عنوانُها «الشعب يريد إسقاط النظام» فحمزة الخطيب ابن درعا الذي كتب على الأسوار بعفوية الحرف ونقاء روح الطفولة « يسقط النظام « أصبح صرخة الشعب السوري بأجمعه...أصبح قصة في التاريخ تحكي فصول استباحة الأجساد وفصول رصاصات الغدر التي اغتالت أطفالاً نقشوا الحرية على الجدران، لقد مضى حمزة بعد أن أشعل القلوب.. مضى لأنه لم يعرف بأن الطريق إلى الطريق مصيدة ودم.
وعندما تتعطل لغة السلام..تصرخ لغة الدم في أرض الأسير والجريح والشهيد..في أرض مسرى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم.. هناك حيث عاشت الملايين قصة اغتيال ذلك الطفل الوديع محمد الدرة الذي كان مختبئاً في حضن والده، ليصبح رمزاً تتعرى أمامه كل الحقائق أمام واقعٍ مرير... مشاهد كثيرة...ونماذج متعددة..وتفنن في أساليب التعذيب والقتل والاغتيال لأطفال أحوج مايكونون لأيد حانية...وصدور رحيمة...وقلوب دافئة تحتضنهم...مشاهد لايستوعبها عقل.. ولا يقبلها ضمير ولا يرضى بها من يتقي الله..مشاهد هوت عليها فأس التعذيب والظلم والقهر..صباحها فزع ومساؤها موت، هذه هي الطفولة المعذبة والبراءة الموؤودة..وكثيرون كثيرون ممن هم أشباه {أحمد الغامدي، حمزة الخطيب، ومحمد الدرة }فمن المسؤول؟ وأين دور منظمات الطفولة وحقوق الإنسان إن كان لها صوت على أرض الواقع !!؟ أين منظمات المجتمع المدني التي هي بمثابة الداعم وحلقة الوصل بين الأسرة والدولة والمجتمع!!؟أين القوانين التي تحد من العنف والتعرض لإيذاء الأطفال؟ أين القوانين التي تحميهم من مخالب البشر الوحشية ومن الأيدي الملوثة الملطخة بجرائم التعذيب والتنكيل والاغتيال؟ أين..وأين ترى ظلم من هذا!!؟ ظلم الحياة... أم ظلم البشر؟
تنويه : أخي القارئ الكريم.. أختي القارئة الكريمة {هذه المقالة} كتبتها ونشرتها بمناسبة عودة أبنائنا وبناتنا إلى مدارسهم ليستيقظ ضميرُ كل غافل عن حق الطفولة.