منال الشريف مستشارة أمن المعلومات في شركة أرامكو السعودية لم تكن معروفة ولا مشهورة لولا أنها جاهرت بالمحظور الاجتماعي وقادت سيارة أخيها في شوارع مدينة الخبر غير مبالية بردة الفعل المتوقعة قبل قيامها بفعلها الشاذ في نظر المعارضين لقيادة المرأة للسيارة والذين وصفوها بقليلة الحياء والفاسقة ودفعت ضريبة جرأتها بسجنها تسعة أيام. استضافها الزميل تركي الدخيل في برنامج إضاءات في قناة العربية فغردت كما يغرد التويتر وأجابت عن أسئلته بثقة إنسانة على درجة عالية من التأهيل والثقافة الواسعة منطلقة من حقائق موثقة بين يديها درستها بعناية وهي حقائق تقدم تأكيدات دامغة لمسؤولين سعوديين كرروا في أكثر من مناسبة بأنهم لا يعارضون قيادة المرأة لسيارتها بل إنهم لا يعتبرونها سوى قضية اجتماعية, وأفصحت عن أسماء علماء كبار أفتوا للمرأة بقيادة سيارتها وأنه لا يوجد في الدين دليل واحد يمنعها من سواقة السيارة. الشريف أعلنت عن إصرارها في الاستمرار في هذه الحملة مع زميلاتها حتى يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة كي تمارس حياتها المهنية ويتم التخلص من السائقين الأجانب, ونفت أن تكون جهات خارجية قد دعمت الحملة التي لا تهدف كما يروج المعارضون إلى تغريب المرأة وإنما تطالب بحق من حقوقها المشروعة.
يوم 21 مايو من عام 2011 كان يوماً فارقاً في حياة منال الشريف نقلها من مواطنة مغمورة جازفت وقادت سيارة أخيها برفقة عائلتها وكسرت الأعراف والتقاليد إلى مواطنة مشهورة يشار لها بالبنان. خرجت من سجن الأيام التسعة إلى عالم المشاهير تتسابق القنوات لاستضافتها والصحفيون للحصول على جديد أخبارها لتصبح في ذاتها سيرة طويلة على كل لسان وحدثا كبيرا وشخصية يحاول من لديهم فضول الاقتراب من عالمها ليتعرفوا على هدفها ودافعها وقصة القبض عليها وزجها في السجن ومن يدعمها ومن يقف ضدها وما أسرار ما جرى لها خلف القضبان وكيف قضت أيام سجنها وهل تعرضت فعلا للأذى ومن اتصل بها وكيف تم الاتصال؟ وما حكاية السيدة هيلاري كلينتون وماقصة دعمها للحملة وما أسباب تهافت القنوات الفضائية العالمية على قضيتها وماذا عن أسرار الحوارات التي دارت على تلك القنوات؟ وما موقف التيار الديني من منال الشريف وهل مسها أحد المندفعين بأذى؟ وما دور هيئة الأمر بالمعروف في حادثة القبض عليها؟
ردود أفعال متسرعة تفتقد للحكمة والتروي نسجت منها قصص وحكايات وروايات دفعت بمنال لعالم المشاهير بسرعة الضوء وحققت لها ما لم تحلم به عندما فكرت بالحملة. كانت مجرد امرأة وضعت مع زميلاتها هدفا يردن الوصول إليه لكنها فوجئت بردة فعل المجتمع المساند والمعارض وهي ردود أفعال مجتمع بأعلامه وأفراده لا يجيد التعامل المتعقل مع الأحداث فيمنح الشهرة من حيث لا يدري لأي مغامر يركب موجة في اتجاه معاكس لأعراف المجتمع وتقاليده وعاداته أو يحاول اختراق القضايا التي وضعت حولها الخطوط الحمراء كي لا يتجاوزها أحد وخاصة القضايا المتعلقة بالمرأة.
ما كان لحادثة قيادة منال للسيارة أن تتفاعل وتذيع شهرتها في الآفاق وتتناقلها وكالات الأنباء العالمية لو تم التعامل معها بهدوء وتعقل ونوقش الموضوع كما يناقش أي موضوع آخر للوصول إلى قناعات مشتركة دون شوشرة وتشهير لكن يبدو أن أمامنا الكثير حتى نصل لهذا المستوى الراقي من التعامل مع الأحداث.
shlash2010@hotmail.com