يتسابق الناس في بلادنا أثناء جميع الإجازات نحو السفر للخارج تسابقا محموما لافتا، يكاد يكون مزريا بل ومثيرا للسخرية والاستهجان في كثير من الأحيان، يدفعهم في ذلك عنصر مشترك، وهو للأسف عنصر التفاخر والتنابز، وتأتي الأمور الأخرى في ذيل القائمة مهما عظمت أهميتها!
ومما ساهم في ذلك وسائل التواصل السريع عبر (البلاك بري والمحمول والماسنجر) بجميع أنواعها،
حيث يظهرفيها علم الدولة المرتحل إليها وبعض صور أماكنها، فتكون الرحلة عبارة عن إعلان رنان للعائلات المسافرة، فبالتالي يضحي الشخص الذي لم يسافر كأنه محبوس في جحر ضب مظلم، شاعرا بالدونية والحرمان، فيضغط الأبناء على أهاليهم، والزوجات على أزواجهن للسفر بأي ثمن حتى لو كان عن طريق الاقتراض أو التضييق على النفس في أمور هي الأكثر أهمية.
لا يعني هذا أني ضد مبدأ السفر عامة رغم عدم عشقي الشخصي للسياحة الخارجية، ولكن الذي أودّ قوله هو لماذا كل هذه الهرولة الجماعية نحو السفر للخارج؟ وكأنّ ما تحصده الأُسر السعودية من خيرات بلادها توزعه على دول العالم بكل يسر وسهولة وسخاء، ولاسيما مافيا النهب المتعاملين مع السياح السعوديين والخليجيين، متوهمين أن النفط ينسكب انسكابا من أشمغة رجالهم وعباءات نسوانهم ولعب أطفالهم!
ولماذا هجرت السياحة الداخلية هجرانا ليس بالجميل، ولاسيما في الإجازات الطويلة حيث تدفق العملة الصعبة بلا حساب، رغم إن بلادنا - حماها الله - تعد قارة كبيرة المساحة وليست مجرد دويلة صغيرة مملة يسودها طقس واحد رتيب أو تضاريس كئيبة متشابهة، ففيها الأماكن الباردة والدافئة وفيها البحر والبر، وكذلك الآثار التاريخية المتعددة، وأهم من ذلك كله أن بها أقدس بقاع الأرض التي تهفو إليها جميع الجنسيات، وتتمنى الوصول إليها والحياة فيها كثير من أمم الأرض.
فلماذا إذن يفر منها معظم سكانها الأصليين وكأنما هم يفرون من قرية مهجورة أو هجرة نائية؟ هل هو مجرد التظاهر والتفاخر؟ أم أن زامر الحي كان ومازال لا يطرب؟ أو أن هناك عيوبا جوهرية حقيقية تقلل من متعة السياحة الداخلية تجاهلتها جميع الجهات المسئولة ومازالت رغم علمها التام والدقيق بها؟
في الواقع لابد من الاعتراف الكامل بأن كلا السببين متكافئان في الانصراف عن سياحة الداخل سواء كان شغف الناس هنا بالسياحة الخارجية مهما قل شأنها، أو كان ضعف الجذب السياحي الداخلي معنويا وماديا، ولا أعني بالمادة مجرد غلاء الأسعار فالغلاء أكبر في السياحة الخارجية بصورة مجملة، مهما ادعى المكابرون، فحسبنا غلاء التذاكر الخارجية عن الداخلية، وكذلك حجم التسوق الضخم الذي تعود به العائلات من الخارج، كي تزهو عند العواذل بأنها أتت به من هنا وهناك.
بصراحة: إن من جرب السياحة الخارجية لابد أنه سيقر بكثرة تعرضه للمتاعب وبعض أنواع الإذلال، فليست مكانته فيها مثل مكانته في موطنه الأصلي، حيث كرامته وقيمته محفوظتان، ويلتزم الجميع بحقوقه لأنهم يعرفونها ويقرونها، ومع ذلك يلهث السعوديون كبيرهم وصغيرهم إلى الخارج بكل توْق ونهم وكأنهم لم يروا أي خير في بلادهم!
وكلما رأيت حشود السعوديين وهم يتهافتون على الحدائق المشهورة أو النافورات المعروفة أو الشوارع المليئة بالماركات الأجنبية متحملين في سبيلها كثيراً من الرطوبة والحرارة والازدحام والتعب، لمجرد أن يراهم بنو جنسهم؛ شعرت بالأسى لضآلة الهدف مع فداحة الثمن!
g.al.alshaikh12@gmail.com