قال لي صديقي العربي لقد زرت الرياض هذا الصيف فوجدتها غير التي زرتها قبل خمسة وعشرين عاما، صارت شوارعها الرئيسة رائعة تحف بها الأشجار العالية من كل ناحية، تتوسطها تشكيلات من الورود الملونة على بساط أخضر تحسبها باقات معروضة للبيع، زوارها والمقيمون فيها بالملايين، جاؤوها من قارات الدنيا، بينهم الأشقر والأسمر والأبيض،
وما يدهشك أنك تسمع الآذان يأتيك من كل مكان فتمتلي مساجدها بالمصلين، تبين لي أن الذي جعلها على هذه الصورة هو أميرها المحبوب سلمان بن عبدالعزيز يشاركه بإخلاص وجد ومثابرة أمينها العام وكوكبة أخرى من المثابرين، وبحسب صديقي العربي، فإن التطور الهائل في الرياض يجري باستمرار، إذ يضاف لها الكثير كل عام، وتنشأ الحدائق والساحات والميادين، كل شيء فيها تحدث وتغير، ولهذا يزداد عدد سكانها سنويا، يزيد صاحبي في القول إن كل ما في الرياض يدهشه ويصيبه بالنشوة والفرح والسرور، لكنه يود أن يرى في الرياض مترو تحت الأرض، وقطارات فوقها، وباصات نقل عام حديثة لها محطاتها المنتشرة، يضيف أن مدينة الرياض تحتضن الحداثة وتقدس التراث، وكأنك بمتحف مفتوح، تقرأ التاريخ بكل تفاصيله، فحيثما وليت وجهك فيها يواجهك التاريخ في جامع أو في قصر أو في أثر تاريخي، تصور أن (المصمك) ما تزال آثاره تحكي لك تاريخ مدينة، وكذلك أسواقها الداخلية، الناس هنا مهذبون وقد تطوروا كثيرا بسبب التقاء الثقافات عندهم، لقد كنت مبهورا بالرياض بعد خمسة وعشرين عاما غياب، كل ما في هذه المدينة الصحراوية يبهرك ويصيبك بالزهو، فإن زرت وسط المدينة احتجت ساعات لتكتشفه، وإن دخلت المتحف العام اندهشت أكثر، وإن طفت في شوارعها بهرت، حتى مطاعمها لها مذاقها الخاص والعذب، لقد صارت الرياض مجموعة كبيرة من الإبداع والفن والأحلام، حتى حرها الذي يصب جام غضبة على الرؤوس ويسبحنا بالعرق يغمرنا بالتأمل في ذات هذه المدينة الصحراوية الحالمة، لقد تحولت ذكرياتي عن هذه المدينة إلى اللاوعي عبر نصوص ولوحات صنعها الماضي الحاضر، هذه الذكريات تحولت إلى ألوان انسيابية تجسد الحب الذي يحلم به الإنسان، كأنه كائن مهيمن على الذات، صحراء الرياض البعيدة عن المدينة وهي تسامر القمر تتشكل فيها أجنحة الرغبة في الاجتماع في الماضي وحركته وقصصه وقصائده، الرياض تشكل لدي لوحة ثمينة وهي تتوسد أحلامها ورغباتها السرية على وسادة مخططة وفراش وثير، أبدا مثل حسناء تختبئ في الدثار واللباس الأنيق، قمة اللذة، وقمة الحلم، وقمة المتعة، أن تسير ليلا في شارع تتداخل فيه أضواء النيون وإشارات المرور، لتذهب إلى آخر الممرات، مثل حلم يقظة، أو انبعاث مطر بارد مدرار على سخونة الأرض ووحدتها، يكمل صديقي العربي، لقد استطاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز وفريقه المثابر أن يحول مدينة الرياض من حالة رمادية إلى فعل حضر الوجود، بل إلى أس الوجود، نعم لقد استطاع سلمان بن عبدالعزيز أن يحقق حلمه في صنع الرياض مدينة لونية ومعبرة لها أجنحة سحرية ومتألقة تتداخل فيها الأفكار والتوشحات والرغبة الواحدة في البقاء.
ramadanalanezi@hotmail.com