أنشئت الأمم المتحدة على أعقاب فشل عصبة الأمم في الحفاظ على السلام والاستقرار العالميين، وكان الهدف من إنشاء الأمم المتحدة هو أن تعمل على منع اندلاع الحروب من خلال القضاء على أسباب بوادر التوتر والصراع بين الدول إلا أنه ومثلما فشلت عصبة الأمم في اعتراض اندلاع الحرب العالمية الثانية، تتجه الأمم المتحدة إلى الفشل أيضاً نتيجة اختطاف القرار الأممي الذي أصبح حكراً على خمس دول هي المالكة للعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، التي كثيراً ما تجري مفاضلات وتفاهمات هدفها الأول الحفاظ على مصالحها قبل اهتمامها الأساسي وهو منع اندلاع الحروب، ونتيجة اختلال موازين القوى وضعف دول مؤثرة أصبح العالم خاضعاً لقطب دولي واحد منهياً فترة الثنائية القطبية مما جعل الأمم المتحدة خاضعة إلى حد كبير لهيمنة هذا القطب وإملاءاته التي أوجدت خللاً فاضحاً في موازين المواقف الدولية وظهر تباين المعايير في كثير من القرارات والأعمال التي تقوم بها المنظمة الدولية ولجانها المتخصصة، التي كان آخرها تقرير ما سمّي باسم تقرير بالمر الذي وضعته لجنة تابعة عن الأمم المتحدة عن حصار قطاع غزة ومنع الكيان الإسرائيلي من دخول البضائع والمساعدات الإنسانية لأهالي غزة عبر سفن المساعدات وعدوانها على أسطول سفن الحرية وما فعله الإسرائيليون من قتل بحارة تلك السفن ومنهم مواطنون أتراك.تقرير بالمر الذي وضعته الأمم المتحدة ويحمل الصفة الأممية خرج عن كل الأصول والضوابط الدولية والشرعية، وعدّ استمرار إسرائيل في فرض حصارها على قطاع غزة ومحاولاتها تجويع شعبها ومنع الأدوية عنه.. عملاً شرعياً.
وهذا ما أثار الاستغراب بل حتى الغضب لدى أطراف دولية عديدة التي اعتبرت التقرير مسيساً ومخالفاً للقانون الدولي، وأن التقرير الذي وضع استجابة لإملاءات من قوى دولية نافذة حليفة لإسرائيل يسيء لسمعة الأمم المتحدة.
ويشجع على العدوان وإثارة الحروب وهو ما يتناقض مع أهداف إنشاء الأمم المتحدة التي أصبح تناقض قراراتها مع المعايير واختلال الموازين نتيجة الكيل بمكيالين وهو ما يعط مبرراً لكل محاولات إصلاح أوضاع الأمم المتحدة التي أصبحت مختطفة تماماً عن الدول الكبرى التي تسير المنظمة حسب أهوائها وما يخدم مصالحها.