ما أقسى مرارة الفقد وما أشدَّ لوعتها، لعمري كيف لي أن أصف تلك المصيبة وأن أبيِّن ما حدث. لحظات مريرة عصيبة تتسابق فيها الدموع والعبرات معلنةً هول المصيبة، وتتزاحم فيها مشاعر الحزن والأسى ولوعة الفراق، وعندها يبكي القلب بكاءً لا صوت له ولا نحيب ولكنه يرتجف لهول ما جرى، وبكاؤه أشدُّ وطأةً من دمع العين، وبعد كل ذلك يشرئب القلب ومعه العينان تلقاء رحمة الله وحكمته فنجدهما بلسماً لجراحنا وآلامنا.
فقدت يوم الجمعة 14-8-1432هـ عمي العزيز عبدالرحمن عبدالله سليمان القاضي -رحمه الله- بعد صراع مع مرض ألمَّ به قبل بضع سنين، كان -رحمه الله- مثالاً شاهداً للعيان بأخلاقه والتزامه بدينه، وحريصاً أشد ما يكون على صلة الأرحام وحضور المناسبات العائلية عندما كان في كامل صحته، وحتى عندما داهمه المرض، وكان منسقاً لعائلة القاضي في محافظة عنيزة وهو من يتولى تسليم أفراد الأسرة دعوات الحضور لاجتماع العائلة بالرياض وعنيزة، لقد كان قلبه مضيئاً بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة الناس، كان لا يحمل في قلبه مثقال ذرة من حقد على أحد. أجزم أنني أنهزم أمام نبل أخلاقه، ولكن هذا غيض من فيض، فكلما زرته بالمستشفى إبان مرضه أجد ابتسامته هي أول من يستقبلني، وعندما أتأثر من وضعه الصحي أجده يقابلني بابتسامته وسؤاله عن والدي، ويحمد الله على كل حال، ولا يشتكي مما به إلا لله سبحانه وتعالى.
أبا البتول لن ننساك بمجرد أننا دفناك، فأنت ساكن في قلوبنا وجالس بيننا بضحكتك وبابتسامتك وبمزحك اللطيف. أبا البتول لن ننساك وأنت أثبت محبتك لنا. أبا البتول لن ننساك لأنك نهر جار من الطيبة والنقاء والمحبة. أبا البتول اعذرني فقلمي يرتعش وأنا أكتب هذه السطور الحزينة ولا أتمكن من مواصلة ذكر صفاتك العطرة، لقد ارتعشت يداي وأنا أحثو التراب على قبرك وأعلم بأنني ودعتك الوداع الأخير في هذه الدنيا، ونرجو الله أن نلقاك في الدار الآخرة ووالدينا والمسلمين في مستقر رحمته.
وهذه أبيات متواضعة كتبتها بمداد من ألم قلبي:
رحلت أبا البتول عنا واشتعلت في القلب نار
على فقدك اكتوت بها أرواحنا والضمائر
عماه إن العين لتدمع وقبلها القلب بكاء
على فقدك حيث إن حبك بقلوبنا غائر
أرجو الله رب السموات ورب الخلائق
أن يجعلك لجنة الفردوس سائر
عمي الصابر رأيت فيك أروع الأمثلة وأجرأها بصبرك على ما اعتراك من مرض عضال عانيت منه بضع سنين فكنت المؤمن الصابر المحتسب، ونرجو الله سبحانه بأنك الظافر بما عنده من الرحمة والأجر. أسأل الله العلي القدير أن يغفر له ويجعل ما أصابه من مرض تكفيراً لذنوبه ورفعة وزيادة ومضاعفة في حسناته، وأن يثبته بالقول الثابت ويجعل الجنة داره وقراره ووالدينا والمسلمين، ويلهم زوجته وبنتيه الصبر وحسن العزاء.
- عنيزة