قد يختلف البعض في تعريف كلمة مسؤول، لأنها في المفهوم العام ترتبط دومًا بالسلطة، ولكنها لغويًا: آتية من الفعل سأل، وهي تعني من كان في وضع السؤال والمساءلة. أما مصطلحًا: فإنها تعني الوضع المنطقي، الذي يتوجب فيه على الفاعل أن يكون مسائلاً عن أفعاله، أي يقر بأنها مسؤوليته، وأنه يتحمل نتائجها لتبعيتها له، كتبعية تُلزمُ عن الفعل.
والإنسان بطبيعته البدائية، أو المتحورة، أخلاقي الصبغة، وبحكم أفعاله فهو مكلف يشعر بالإلزام أمام نفسه، وأمام غيره مما يجعلنا نصفه بأنه مسؤول، ومما يجعل جميع الأديان والقوانين والأعراف تحكم عليه وتعاقبه من خلال ذلك.
فتقع عليه المسؤولية من عدة نواحٍ، أولها الناحية الأخلاقية: وهذه تكون مرهونة بقدر ونقاء وكيف ما يمتلكه من أخلاق، ومدى قدرته على التمسك بها وتطبيقها، مهما كان الأمر منهكًا أو مغريًا، ورفضه عن التخلي عنها بدوافع ذاتية، وقيم خارجية، والعقاب هنا يكون من نفسه لنفسه، إذا كان ضميره حيًا.
وثانيها أن تكون المسؤولية اجتماعية: مرهونة بالعرف الاجتماعي، وهنا يكون الإنسان أمام سلطة المجتمع، والتي تحاكمه علنًا وبشكل عفوي مباشر، فإما أن يقوم بمسؤوليته، وأما أن يتخلى عنها لمن يتمكن من ذلك.
وثالثها المسؤولية الموضوعية، الخارجية: والتي يكون أساسها مرتبطًا بنتيجة الفعل بالدرجة الأولى، وخاصة في المسؤولية المدنية والقانونية، التي تنظر إلى الضرر الحاصل، وتوقع على مرتكبه الجزاء المادي كالتعويض أو القصاص أو كلاهما بشكل عقاب على شخص يفترض أن يكون مسؤولاً عن عمله.
والعقاب للشخص المسؤول، يعتمد على مدى أهليته للعقاب، بأن يكون عاقلاً بالغًا أثناء توليه المسؤولية، وأن يكون حرًا، لم يتم إجباره أو تهديده من سلطة أعلى بالقيام بذلك الفعل.
كما أن العقوبة تحدد حسب مقدار ومحيط الضرر، فالمسؤول عن شخص، لا يكون عقابه مثل المسؤول عن شخصين، حيث إن المسؤولية تكبر، والعقاب يزداد بحسب مساحة الضرر.
وفي المجتمعات المتخلفة، نجد أن المسؤولية تعطى تلقائيًا وبكامل تبعاتها للمسؤول، والذي يمتلك السلطة العليا، مهما كان غير ملم ولا ملتزم، ولا متخصص.
وتفترض عين المجتمع أنه هو الأكثر قدرة وفهمًا ومعرفة وحكمة، والطامة الكبرى لو فهم هو كذلك.
فنجد المسؤول الكبير، وهو يفتتح أحد المشاريع، يقوم بانتقاد جزئية هندسية معقدة، وبلمح البصر يتم تعديلها حسب مرئياته الآنية، مهما كانت تكلفتها، ومهما كانت عملية إنشائها قد تمت بعد دراسات مطولة متعمقة، من أخصائيين وخبراء.
وفي مثل هذه الحالة تقع المسؤولية في التغيير، وعند حدوث الضرر، على الجهة المنفذة، مع العلم أن التغيير تم بسلطة المسؤول، ونقده العلني، وتأكيده على النفاذ.
عليه فمن المفترض أن تكون المسؤولية وسيلة، وليست هدفاً، وأن تكون محددة المجالات، بدلاً من تركها منفتحة لبعض الأشخاص ممن لا يتمكنون من الإيفاء بحقوقها كما يجب.
المسؤولية في المنزل الأسري، يجب أن تُقسم على جميع أفراد الأسرة، ليشعروا بأهمية تواجدهم في هذا المنزل، ومدى التصاقهم به، وليتمكنوا من تحديد وجود الخلل ومصدره، ومعالجته بطرق عقلانية، فليس من المعقول أن يكون رب الأسرة مسؤولاً عن كل صغيرة وكبيرة، حتى عن نقص المئونة من صنف معين، وأن تكون الزوجة خارج المساءلة والمحاسبة، ومن غير المعقول أن يكون الأب مسؤولاً عن ترك أحد الأبواب مفتوحًا بالليل، على يد طفل لم يتعلم كيف يكون مسؤولاً عن ذلك، وعن مدى إضراره بكامل المنزل.
وما يطبق في البيت، يجب أن يطبق أيضًا في الحي، والمجتمع، وفي الشارع. فمسؤولية السائق أن يتبع بكل حرص ودقة قوانين المرور، حتى لا يجبر غيره من المشاة والسائقين، على ارتكاب الأخطاء.
وينطبق ذلك على نظام وهيكلية الحكومات، ونظام الدول، فكلما وزعت المسؤوليات على الكفاءات، والمختصين، مرت الأمور بسلام وبدون كوارث، ولا بعقاب لمسؤول، ولا بضياع لمتسبب في فساد، أو مظلمة.
إنها ملحمة مسؤوليات متداخلة، متناسقة منظمة، والإخلال في جزء بسيط منها ولا شك سيؤدي لكارثة ضياع المسؤولية.