بحلول إجازة الصيف يخطط الكثير من الطلاب والطالبات لأنفسهم القيام بعدد من المشاريع التي يأملون أن تكون ذات مردود إيجابي على مستقبلهم الآني، أو حتى البعيد، ومن بين تلك الأفكار تأتي الرغبة في استغلال إجازة الصيف في تعلُّم، أو تحسين مستواهم في اللغة الإنجليزية وذلك من خلال الالتحاق بدورات اللغة الإنجليزية التي تقدمها معاهد اللغة الإنجليزية المنتشرة في أنحاء متفرقة من المملكة. والسؤال المطروح دوماً من قبل من سيقدم على ذلك: هل من جدوى لدراسة اللغة الإنجليزية في أثناء فترة الصيف القصيرة؟
والجواب المباشر أنه حتماً سيكون هناك مردود وفائدة سوف يجنيها من هو مقبل على خوض تجربة دراسة اللغة الإنجليزية في أثناء فترة الصيف في معاهد تعليم اللغة الإنجليزية المنتشرة في أرجاء مختلفة من المملكة، ولكنها بلا أدنى شك لن تُمكّن المقدم على دراستها من إتقان اللغة، أو لنقل تكوين محصول لغوي جيد؛ وذلك بسبب أن عملية تعلُّم اللغة الأجنبية عملية تراكمية معقدة يتطلب إتقانها الكثير من الجهد والوقت.
فالمعروف علمياً أنَّ عملية تعلُّم اللغة الأجنبية يستغرق وقتاً طويلاً أطول مما يتخيله المرء الذي هو على أبواب الإقدام على تجربة من ذلك النوع، وهذا مردُّه إلى أنًّ اللغة في الواقع عبارة عن نظام صوتي، ونظام مفردي، ونظام تراكيبي شديد التعقيد، وكلُّ واحد من هذه الأنظمة يختلف عن الآخر، ويتطلَّب إتقانه إدراكاً ذهنياً، وتعرضاً لغوياً مكثفاً، والكثير الكثير من الممارسة اللغوية، والشرط الوحيد لتعلُّم هذه الأنظمة مستقلة ومجتمعة يكمن في إعطاء الوقت الكافي للمتعلم حتى يتمكن المتعلم من عملية هضم النظام اللغوي الجديد بصورة فاعلة.
وذلك كله لا يمكن تحققه من خلال دراسة لا تتجاوز الشهرين على أقصى حد.
ويعزز من تقليل الجدوى محدودية معاهد اللغة الإنجليزية التي توفر البيئة التعلمية الحاضنة المناسبة للمقدم على تعلُّم اللغة الإنجليزية في أثناء فترة الصيف؛ إذ ينقص الكثير من معاهد تعليم اللغة الإنجليزية لدينا الركائز الرئسية التي تعزز من نجاح تجربة تعلمها، وبخاصة في فترة وجيزة والمتمثلة في وجود إدارة أكاديمية متخصصة، وطاقم تدريسي مؤهل متخصص، ومنهج تدريسي منتقى بعناية، بالإضافة إلى بيئة مكانية وفنية مناسبة.
الملاحظ أن الكثير ممن يديرون معاهد تعليم اللغة الإنجليزية في واقع حالهم رجال أعمال همهم الأول التحصيل المادي على حساب عملية تدريس اللغة الإنجليزية.
وذلك يمكن معرفته من خلال قياس حجم وقدر المرونة التي تبديها إدارات تلك المعاهد، ورغبتها في تفهم احتياجات ورغبات الطلاب، والعمل على تلبية ما له مساس مباشر في العملية التعليمية، ومدى تبنيها ودعمها لطرق التعلم الحديثة في تدريس اللغة الإنجليزية، وتنظيمها للأنشطة اللامنهجية المتنوعة، ومقدار الجدية والمتابعة التي تبديها، وتوفيرها للإرشاد الأكاديمي، وإمدادها لمن يريد الالتحاق بالمعهد بمعلومات كاملة وصادقة، واستخدامها طرقاً علمية في تقييم الطلاب، وبخاصة في الاختبارات التحصيلية والنهائية، واقتنائها المواد والكتب التعليمية ذات الفائدة اللغوية الكبيرة.
والأمر نفسه يسري على المعلمين الذين يدرسون في تلك المعاهد؛ فالكثير منهم، وبخاصة متحدثو اللغة الإنجليزية كلغة أم غير متخصصين في تدريس اللغة الإنجليزية، وإنما هم متحدثون بها فقط.
ولذا ينقصهم التأهيل العالي في مجال تعليم اللغة الإنجليزية، والخبرة الميدانية العريضة في مجال تدريسها.
وقبل ذلك المعرفة بطرائق وإستراتيجيات تدريس اللغة الثانية الحديثة، وكيفية استخدامها بشكل فاعل ومؤثر داخل الصفوف الدراسية، كما أنهم ليسوا ذوي قدرة على إعداد دروس لغوية تتماشى مع قدرات، وحاجات متعلمي اللغة الإنجليزية.
كما أن العديد من معاهد تعليم اللغة الإنجليزية ينقصها الكثير من الإمكانات الفنية؛ إذ نجدها لا توظف التقنية الحديثة في تعليم وتدريس اللغة الإنجليزية المتمثلة بالتجهيزات التعليمية والفنية، والمعامل اللغوية التي يمكن أن تُتيح للطالب الاستماع إلى اللغة الإنجليزية من خلال أشرطة تسجيل، أو مشاهدة مواد تعليمية لغوية يمكن أن تعرض عن طريق أشرطة فيديو.
كما أن تلك النوعية من المعاهد ليست مجهزة بمكتبة تحتوي على كتب، ومجلات، وصحف، وقصص قصيرة مشوقة تعمل على تشجيع الطالب على القراءة باللغة الإنجليزية، وكذلك تخلو من البرامج التعليمية اللغوية الحاسوبية، والوسائط المتعددة بما في ذلك الأقراص المدمجة، والبرمجيات اللغوية، والإنترنت التي يمكن أن تستخدم داخل الصف، أو خارجه وتعطي الطالب فرصة أكبر لإجراء تدريبات لغوية معززة، وغيرها من الوسائل التعليمية المساعدة، والمصادر الإثرائية، والتقنية الحديثة التي تسهم بقدر كبير في تعليم اللغة الإنجليزية بطرائق، ووسائل أكثر كفاءة، ومد الدارسين فيه بمصادر تعليمية ذاتية تتيح للمتعلم استخدامها بشكل مستقل في المنزل.
ومن يقرأ هذا الطرح يظن أنه مدعاة لتثبيط الهمم، وربما تجاوز ذلك ورآه على أنه دعوة صريحة لإلغاء فكرة الإقدام على خوض تجربة اللغة الإنجليزية برمتها.
والرد على ذلك أنه يجب ألاًّ يُنظر له من هذه الزاوية الضيقة، وإنما هي دعوة لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وموقعها الواقعي الطبيعي، فالمُقدم على خوض تجربة تعلًُم اللغة الإنجليزية عليه ألاًّ يعلق آمالاً عريضة على تجربة تعلم لغوية قصيرة المدى في العديد من معاهد تعليم اللغة الإنجليزية المنتشرة في شرق البلاد وغربها التي تنقصها العديد من الأمور المفصلية التي تم إيضاحها.
وربما يستثنى من ذلك ممن لديهم محصول لغوي جيد الذين بمقدورهم مع الكم اللغوي الذي تقدمهم لهم تلك النوعية من معاهد تعليم اللغة الإنجليزية ومبثابرتهم وجهدهم الذاتي جني ثمرة تجربة دراسة اللغة الإنجليزية في فترة وجيزة أثناء إجازة الصيف.
alseghayer@yahoo.com