تحـمـل إلـيـنا المصـادر مـشاهـد متفرقة من الحياة الاجتماعية في الجزيرة العربية، إلا أن الثابت فيها وضوح البنية الاجتماعية طوال قرون، وأهم مظهر من مظاهر هذه البنية الاجتماعية هو: القبيلة النواة والخلية والتي تعني النسب المتجذر أولاً، ثم الولاء والذي يعني التعاضد والتكافل والرحمة والتعاطف بين أفراد القبيلة، والولاء هنا الانفصال عن المحيط بل هو مظهر حضاري يعكس قيم وأخلاق ترجمت في معان جميلة تم ذكرها.
وعبر القبيلة والتجمعات القبلية نجح الملك عبدالعزيز في تشكيل جيش عقائدي به تمكن من توحيد المناطق التي تكونت منها المملكة العربية السعودية.
والقراءة السلبية لمفهوم القبيلة والانتماء القبلي دفع بالبعض إلى النقد اللاذع ضد القبيلة واستغل هذا النقد بالادعاء بأن التذكير بالقبيلة هو سلوك شائن يهدد الوحدة الوطنية، وهذا التهديد لن يهدأ إلا بصنع (مجتمع جديد) يتم فيه الانسلاخ من القبيلة والانتماء القبلي.
وهكذا بدأ يترسب في الضمير الجمعي مهمة الإقصاء عن القبيلة ونعرف جيداً أن هناك أشخاصا وأسماء مدونة تخلصت من إضافة اسم قبيلتها إلى اسمها وذلك بالانتماء إلى العائلة الصغيرة.
كيف أصبحت القبيلة تهدد الوحدة الوطنية؟
ألم تكن القبيلة إحدى الركائز الأساسية والدعامة في بناء الوطن، فلم يستطع أي حاكم لشبه الجزيرة منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يسود إلا بفهم البنية الاجتماعية والتي كانت بتأليف القبائل وتوجيهها نحو هدف واحد، ولعل أول خروج ومد بشري خرج ليقيم حضارة في أصقاع الأرض هو خروج قبلي تمثل في قبائل من مثل: تميم والازد وشيبان وبكر وخزاعة وغيرها من قبائل الجزيرة العربية في شرقها وغربها، فأتوهم من نقلوا كلمة الله وهم الذين رسخوا حضارة الإسلام بين حدود الصين إلى المحيط.
ولمن لا يعرف عليه العودة إلى كتب التاريخ والتراث ليكتشف كم هم الذين خدموا حضارة الإسلام من أبناء القبائل العربية وحملوا مسمياتهم القبلية، لم يفاخروا بها ولكن شرفوها بعلمهم وسلوكهم.
ومن الملاحظ انه مع الدعاوى الضارية ضد القبيلة، لا نجد تحاملاً على العائلة التي هي أصغر خلية في القبيلة، والتي تحظى اليوم بالاهتمام والتجمع وإقامة مهرجانات واحتفالات دون أن تنتقد أو تتهم بالعصبية وتهديد الوحدة الوطنية.
إنّ هذا كيل بمكيالين؟!
