Wednesday  17/08/2011/2011 Issue 14202

الاربعاء 17 رمضان 1432  العدد  14202

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

التعليم العالي الأهلي يمتاز عادة بالجودة في الدول المتقدمة، وهنالك جامعات وكليات أهلية رائدة ومميزة على مستوى العالم، وحين بدأ الحديث عن تأسيس مؤسسات للتعليم العالي الأهلي في السعودية سررنا كثيراً،

حيث إننا ظننا أن تلك المؤسسات ستسهم في رفع جودة العملية التعليمية في سياق التعليم العالي، غير أن المشهد لم يكن مشجعاً لأسباب سأتناول بعضها في حديثي اليوم، الذي سيكون صريحاً للغاية ومباشراً أيضاً، في محاولة لتشخيص مبكر لبعض أمراض التعليم العالي الأهلي السعودي؛ الذي رأى النور في السنوات الأخيرة عبر جامعات وكليات متزايدة في مختلف مناطق المملكة. والحقيقة تقتضي منا أن نقرر بأن هنالك عدداً من الجامعات والكليات المميزة فعلاً، مميزة في برامجها وخططها وأساليب تدريسها وبيئتها التعليمية، الأمر الذي جعلنا نرى مخرجات مشرفة. ومع وجود تلك النماذج الجيدة، هنالك نماذج رديئة وأخرى هي أقرب للرداءة منها إلى الجودة، وللأسف فإن عددها ليس بالقليل، وقد رصدت عدداً من الملاحظات الأساسية إزاء تلك النماذج الأخيرة، أوجزها في نقاط ذات تسلسل منطقي، كما يلي:

واجهت تلك الجامعات والكليات في بداياتها صعوبات جمة في استقطاب الطلاب من جراء عاملين أساسيين، الأول: برنامج الابتعاث الخارجي الذي جاء بعيد تدشين مرحلة التعليم العالي الأهلي، والثاني: زيادة الطاقة الاستيعابية للجامعات الحكومية، خاصة بعد تضاعف أعدادها في المناطق والمحافظات. إلا أن تلك الجامعات والكليات تلقت دعماً مالياً كبيراً ومشكوراً من الخزانة العامة بعدة أشكال، مما يؤكد على أحقيتنا في المساءلة والمحاسبة بصوت عال. ومن أشكال ذلك الدعم الحكومي السخي ما خصصه صندوق التنمية البشرية «هدف» من منح لكل جامعة وكلية أهلية، وكل ذلك أدى إلى تأمين أعداد جيدة لتلك الجامعات والكليات. هنالك مظاهر متعددة للرداءة في تلك الجامعات والكليات، ولعل من أبرزها النزعة الربحية المبالغ فيها لأصحابها، فما يعني أولئك «التجار» في الحقيقة هو تضخم أرصدتهم، والتعليم هو مجرد مجال للتربح، لا أكثر، وهذا الأمر يولد بقية السلبيات التي يمكن الإشارة لبعضها، لاسيما مع الضعف الشديد للمتابعة والتوجيه والرقابة من قبل وزارة التعليم العالي، بل إن المراقب يتساءل عما إذا كان هناك متابعة وتوجيه ورقابة أصلاً. هنالك انخفاض حاد في الجودة في عدة مجالات، فالطاقم التدريسي ضعيف من الناحية الكيفية والكمية، وبعض تلك الجامعات والكليات تشبه المقاولين الذين ينزلون مباشرة إلى الشارع للحصول على العمال، فجامعات وكليات عديدة تلجأ إلى تشغيل بعض أفراد الطاقم التدريسي الضعاف في بعض الجامعات والمؤسسات التعليمية الحكومية، وبعضها يستخدم حملة البكالوريوس لتدريس مواد علمية أساسية لا يستطيع تدريسها إلا أكاديميون كبار، في ممارسة لا مبالاة فيها، فالمهم لديهم هو «تسيير الأمور» بأقل التكاليف أو كما يقال «كويس ورخيص» . كما أن بعضها يعمد إلى تقليل أوقات المحاضرات وضغطها، مع التسطيح في عرض المعلومات وتجنب الأجزء الصعبة في المنهج، نظراً لتطبيقها نهجاً علمياً جديداً يقوم على : «تعلم من دون دموع»! ومظهر آخر للرداءة يتجسد في ضعف المحتوى العلمي الذي ُيقدم للطلاب والطالبات، فالمراجع العلمية هزيلة أو مبتسرة؛ لدرجة أن بعض الجامعات والكليات تقوم بتحديد بضع صفحات قد لا تتجاوز العشر، لتكون موضع الاختبار النهائي، في نهج يكرس الضعف العلمي ويمارس دون «تقية» بيع الشهادات، فلا يجب عليك سوى دفع الرسوم «الغلة» والانتظام بطريقة ما، وقبيل الاختبار قم بالتهام «البسولات» ذات المذاق الجميل، ثم أودع الورقة ما علق في ذهنك... ثم لا تكن طماعاً فالامتياز ليس بالسهل، وعليك أن ترضى ب «جيد جداً» وربما أكثر أو أقل قليلاً. وكل تلك الممارسات وأمثالها غير مقبولة إطلاقاً، ويجب أن ُتلاحق من قبل الجهة المشرفة، ذلك إنها «تذبح الجودة التعليمية من الوريد إلى الوريد».

وأنا هنا أذكر بما يجب فعله من وجهة نظري لتصحيح المسار قبل فوات الأوان في بعض الجامعات والكليات الأهلية، وذلك كما يلي:

أولاً: يتوجب على وزارة التعليم العالي أن تشكل لجنة عالية المستوى ومستقلة أيضاً لبحث مشاكل ومظاهر وأسباب وآثار الرداءة العلمية في تلك الجامعات والكليات. مع أهمية مكافأة الجامعات والكليات الأهلية المميزة وزيادة دعمها.

ثانياً: تشكيل لجنة عالية المستوى ومستقلة أيضاً لدراسة المنح المقدمة من قبل صندوق تنمية الموارد البشرية وغيره، وأحسب أنه قد يكون ضرورياً توقيف تلك المنح لحين دراسة تلك المسألة وضبطها، فالمال العام يجب ألا يذهب هدراً، مع الإشارة إلا أن البعض يوزع تلك المنح على أقاربه ومعارفه ويكسب فيها وجاهة اجتماعية ونفوذا مجتمعياً.

ثالثاً: يتوجب على أولياء الأمور وعلى الطلاب والطالبات أن يتفحصوا جيداً مستوى الجامعة والكلية الأهلية التي يزمعون التقدم لها، وأؤكد لهم بأن التدقيق والتفحص مطلوب حتى مع وجود منح مجانية، فالعبرة ليست بالحصول على مقعد في أي جامعة أو كلية، بغض النظر عن جودتها، فالأفضل هو عدم الالتحاق بمثل تلك الجامعات والكليات، فالدراسة تمثل هدراً لجهد ووقت ثمينين، فالجلوس بالبيت والتزود بالمعرفة عبر القراءة والنقاش والتأمل والتفكير لهو أفضل ألف مرة من اغتيال الوقت في دراسة هزيلة.

رابعاً: أحسب أن مجلس الشورى يجب أن يكون حاضراً في المشهد عبر لجانه المتخصصة مع ضمان الاستقلال في أعضاء اللجان المكلفة بدراسة ذلك الملف.وفي الختام، أود التشديد على أن التأخر في معالجة أوضاع تلك الجامعات والكليات سيؤدي إلى كوارث أكاديمية، مع التنبيه إلى خطورة ظاهرة يمكن تسميتها بـ «اكتمال منظومة الرداءة العلمية في جميع مراحل التعليم العام والتعليم العالي»، وهذا يعني وجود خدمات تعليمية متكاملة من شأنها تخريج «طواقم وطنية ضعيفة»، من الابتدائية إلى الجامعة، بل بدأنا - للأسف الشديد - نشهد توسعاً في برامج الدراسات العليا عبر ما يسمَّى بـ «البرامج الموازية» في بعض الجامعات الحكومية التي بدأت بقبول آلاف من الطلاب والطالبات في مشهد لا ينم عن بيئة تعليمية مخصصة لإنتاج «عقول مفكرة» في مراحل الماجستير والدكتوراه. هل نشهد مراجعة وتطويراً وتصحيحاً جريئاً؟ وبكل شفافية أقول: إن على التجار أن يبحثوا عن مجال للمتاجرة والتربح ومضاعفة أموالهم غير عقول أبنائنا وبناتنا! ومن غشنا فليس منا. ونعني بهم من يورطنا بطواقم وطنية ضعيفة في المجالات الطبية والصحية والإدارية والقانونية وغيرها.

beraidi2@yahoo.com
 

التعليم العالي الأهلي... التصحيح قبل فوات الأوان!
د. عبدالله البريدي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة