إن شهر رمضان لشهر عظيم مبارك؛ فهو شهر الفضل والنعمة والسعادة، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران شهر الخيرات والصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، وتجاب فيه الدعوات، وترفع الدرجات، وتغفر فيه السيئات.. شهر فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم خيراً كثيراً.
هذه المعاني العظيمة وغيرها الكثير، قد ألهبت مشاعر الشعراء على مر العصور فصفت نفوسهم، وسمت قرائحهم، وقدموا لنا شعراً خالداً في دنيا الأدب والفكر، والسمو به إلى الخير والمودة والإخاء وتثبيت دعائم الإسلام.. ما زالت تحفظه للأجيال كتب التراث.. وتحفل به الدواوين والموسوعات لما فيه من لمحات أدبية جميلة، ولعل أول ما يذكرنا برمضان في الشعر العربي هم شعراء وأدباء صدر الإسلام والعصر الأموي وغيرهم من شعراء العرب المشاهير الذين أولوا رمضان ما يستحقه من العناية والاهتمام في رمضانياتهم، ويقول كعب بن مالك رضي الله عنه:
بنفسي، وأهلي والذين أحبهم
لصومي صوم الناسكين ذوي البِرِّ
فإن صمته صوم الوصال فإنني
قمين بأن ألقى رضاك إلى الحشرِ
وما كبت الأعداء إلا نكوصهم
عن الخير ما بين المذلة والعُسرِ
ولو شاء ربي كان صومي كله
وصالاً فلم يصبح من العام في شهرِ
ويأتي بعدهم شعراء العصر العباسي الذين أهدوا إلى التراث الأدبي شعراً جميلاً تصفو به النفوس ويسمو به الوجدان، وكذلك الشعر الأندلسي الذي أسهم أدباؤه وشعراؤه بالمزيد من الروائع عن رمضان.. ولا غرو فشهر رمضان حفلت به أشعار جمة، وصار موضع اهتمام الشعراء والأدباء قديماً وحديثاً؛ لأنه من أعظم المواسم الإسلامية فضلاً عن تتويجه بعيد الفطر المبارك.. وقد تنافس المتنافسون من الشعراء والأدباء في التهنئة بحلول الشهر كما عرضوا لذكره وهم يهنئون بعيد الفطر.
ولم يفت الشعراء الحديث عن فانوس رمضان في العصور السابقة، بل أكثر الشعراء من وصف فانوس السحور، وقد قال واحد منهم:
ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه
ولكنه دون الكواكب لا يسري
ولم أر نجماً قط قبل طلوعه
إذا غاب ينهي الصائمين عن الفطر
وإذا كان شهر الصوم أعلى منزلة عند الشعراء الأقدمين من جميع شهور العام، فكذلك كان هلاله عند الشعراء أبهى هلال، ترمقه العيون، ولا شك أن ما للهلال من جمال مستمد مما للشهر من جلال.. وقد قال فيه الشعراء المحدثون كشوقي وحافظ والرصافي وغيرهم الشيء الكثير الذي سمى بالرمضانيات.
ومن رمضانيات الشعراء السعوديين المعاصرين نورد بعض القصائد -على سبيل المثال- مما يتسع له الموضوع وهو كثير.. يقول حسين عرب في قصيدته:
بشرى العوالم، أنت يا رمضان
هتفت بك الأرجاء والأركان
لك في السماء كواكب وضاءة
ولك النفوس المؤمنات مكان
الشرق، يرقب في هلالك طالعاً
يعنو لديه، الكفر والطغيان
وبك استهام فؤاد كل موحد
يسمو به الإخلاص والإيمان
أما الشاعر محمد حسن فقي فقد أورد في قصيدته المسماة (رمضان) من المعاني الجميلة والأفكار الرائعة الشيء الكثير.. نختار منها الأبيات التالية:
رمضان.. في قلبي هماهم نشوة
من قبل رؤية وجهك الوضاء
وعلى فمي طعم أحس بأنه
من طعم تلك الجنة الخضراء
قالوا بأنك قادم فتهللت
بالبشر أوجهنا.. وبالخيلاء
نهفو إليه، وفي القلوب وفي النهى
شوق لمقدمه، وحسن رجاء
رمضان ما أدري ونورك غامر
قلبي، فصبحي مشرق.. ومسائي
نفسي تحدثني بأنك شافع
عند المهيمن لي من الأسواء
أأخا العروبة إن دين محمد
بالعرب قام بهمة ومضاء
أهوى بكسرى.. واستهان بقيصر
واجتاح كل عبادة عمياء
رمضان أسعدنا فإن سحائبا
سودا تحط بأرضنا السوداء
أما الشاعر محمد بن علي السنوسي فيتحفنا بأبياته التالية:
رمضان يا أمل النفوس
الظامئات إلى السلام
يا شهر بل يا نهر ينهل
من عذوبته الأنام
طافت بك الأرواح سابحة
كأسراب الحمام
رمضان نجوى مخلص
للمسلمين وللسلام
أن يلهم الله الهداة
الرشد في كل اعتزام
وما أكثر أقوال الشعراء والأدباء في رمضان وما له من تأثير عميق في نفوسهم وإنتاجهم الأدبي والفكري.