حسنا فعل - المرجع الشيعي المجتهد - السيد علي الأمين، حين كتب - قبل أيام - في صحيفة الوطن، عن حالة الانقسام في العالم الإسلامي، فيما يتعلق برؤية الأهلة، وأنه : «يجب أن ننظر إلى مسألة توحيد يوم الصوم، ويوم العيد من زاوية التكليف الإلهي الخالي من الحرج، والتعقيد؛
لأن الله - سبحانه وتعالى - يريد بعباده اليسر، ولا يريد بهم العسر، والحرج، والمشقة «. مطالبا أن تُقلص دائرة الخلاف إلى درجة الزوال، من خلال: « تشكيل غرفة موحدة؛ لاستكشاف هلال شهر رمضان.. وسائر المناسبات الدينيّة، التي تهمّ المسلمين.. وأن يتواجد في غرفة العمليات هذه، ممثلون لمختلف الجهات الدينية المعنية بالأمر، ويمكن تزويدها بوسائل الاتصال بمختلف البلدان، وبالآلات الحديثة التي يمكن بواسطتها تحديد مكان الهلال، ورؤيته، وليكن موقعها في مكّة المكرّمة قبلة المسلمين».
ليس حديثي عن حكم اختلاف المطالع، وهي مسألة فقهية مشهورة بين أهل العلم. وإنما حديثي عن حالة الانقسام في بعض دول العالم الإسلامي، فيما يتعلق برؤية الهلال في البلد الواحد؛ لتتعدد بدايات دخول شهر رمضان في ذلك البلد، ومثله تعدد عيد الفطر. وخذ على سبيل المثال: ما يحدث في بعض الدول الإسلامية، مثل : باكستان، والعراق، حين ينقسم الناس إلى فريقين، أو ثلاثة فرق في الإمساك، والإفطار. ومثله - أيضا - تعدد عيد الفطر.
لا يشك عاقل أن العلم في هذا العصر، استطاع تحديد توقيت ظهور هلال رمضان، وخروجه بدقة، عن طريق الحسابات الفلكية العالمية المعتمدة. وقد أخذت به بعض الدول العربية، بعد أن اتبعت رصدا فلكيا دقيقا للهلال، إذ لا تعارض بين الرؤية الشرعية للهلال، والحساب الفلكي. حيث تتكامل المعاني التعبدية مع الصور الكونية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن العلم الصحيح لا يناقض النص الصريح. ولا يمكننا بحال، أن نغفل ما وصل إليه العلم الفلكي في عصرنا الحالي؛ لأن التشكيك في دقة الحسابات الفلكية، لا يستند إلى أي أساس علمي مقبول شرعا، ولا عقلا. بل إن المنطق الصحيح، يوجب الاعتماد على الرؤية الشرعية، مع الاستعانة بالحساب الفلكي، ومثلها المراصد الفلكية، مراعاة للأحاديث النبوية، والحقائق العلمية.
إن الأخذ بالحسابات الفلكية العلنية أصبح ضرورة؛ لتحديد وقت تحري الهلال. وهذا لا يتنافى أبدا مع إمكانية رؤيته بالعين المجردة، أو بالمنظار. - لاسيما - وقد أمرنا الشارع الحكيم، بأن نستبرئ لديننا، ونستوثق لعبادتنا بقدر استطاعتنا. وكما أننا نعتمد على الفلك في حساب مواقيت الصلوات الخمس، فيجب أن نعتمده في إثبات الأهلة.
أعجبني ما طرحه المشروع الإسلامي لرصد الأهلة، حين قام باستخدام تقنية حديثة؛ لرصد الهلال عصرا، وذلك عند بداية شهر شعبان، يوم الاثنين، الموافق: 12 تموز - يوليو 2010م.
وتتكون هذه التقنية، حسب تصريح رئيس المشروع - المهندس - محمد شوكت عودة، من تلسكوب صغير، وكاميرا فيديو متخصصة توضع على التلسكوب، يتم توصيلها على جهاز حاسوب، بحيث يقوم برنامج متخصص بمعالجة الصور، وتقوم الكاميرا بالتقاط مئات من الصور، يقوم الحاسوب بتجميعها ؛ ليظهر منها الهلال المصور. وتتميز هذه التقنية الحديثة، بأنها قادرة على رؤية أهلّة رقيقة جدا، لم يكن بالإمكان رصدها من قبل، بل ويمكن تصوير الهلال في وضح النهار، وهو ما كان مستحيلا بالوسائل المعتادة، أي: العين المجردة، والتلسكوب.
على أي حال، فإن الحدث الذي لا ينبغي تجاوزه، في إثبات رؤية هلال رمضان، أو هلال شوال، أو غيرهما، هو وجود العديد من اللجان العلمية في أنحاء العالم الإسلامي، والتي تضم نخبة من الفلكيين، والشرعيين؛ لرصد الهلال بطرق علمية، عن طريق الاستعانة بالتلسكوبات، والمناظير الفلكية، وأجهزة التقريب، والتصوير في عملية الرصد؛ مما يؤكد أننا سنتجاوز هذه المرحلة - بإذن الله -، والتي تتكرر كل عام، وتشغل بال الكثيرين، إذ لا يمكن أن نكون عاجزين، عن الاتفاق على موعد يوحد صيامنا، وفطرنا، - خاصة - في هذا العصر الذي أضحى فيه العالم كالقرية الواحدة، لسهولة الاتصال، ويسره، ولما في ذلك من مظاهر الوحدة، ونبذ الاختلاف، والتفرق في الصوم، والتعبد.
drsasq@gmail.com