يطل علينا في كل عام ضيف ألفناه واعتدناه وأصبحنا ننتظره بفارغ الصبر في كل فترة من فترات السنة بتلهف وشوق وترقب، إنه شهر العبادة والغفران والعتق من النار شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليكون هدى للناس ونوراً يستضيئون به في دنياهم ويعملون به لآخرتهم.. وهذا الشهر الذي لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة هو فرصة عظيمة للإنسان للإكثار من العبادات والأعمال الصالحة التي تقرب العبد من ربه وتزيد من رصيد حسناته في حسابه المفتوح في «بنك» الدنيا، الذي متى أغلق حسابه فيه ومات انقطع عمله إلا من ثلاث كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي قال فيه: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له).
وفي رمضان تتضاعف الحسنات ويزيد الثواب من عند الله عز وجل لذا يجب على المسلم أن يجتهد كثيراً في هذا الشهر الفضيل وأن يشمر عن ساعديه ويحمد الله كثيراً أن أطال في عمره حتى بلغ صيامه وقيامه ففي هذا العام نصوم وقد فقدنا قريبا أو حبيبا أو صديقا كان معنا في رمضان السابق فأين هو الآن ومن سنفقد هذا العام وهل سنكمل الشهر كاملاً أم يعزلنا عنه عازل، هذه الأعمال المطلوبة تشمل الحرص على أداء صلاة التراويح والقيام مع الناس جماعة في المسجد فالصلاة عماد الدين وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة عن الصلاة فإن صلحت صلح عمله كله، ثم التصدق بالمال بدون منّة ولا أذى على من نعرف من الفقراء والمساكين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة, فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان)، وقوله: (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء)، وقوله عليه السلام: (داوو مرضاكم بالصدقة) والإكثار منها في رمضان استغلال لمضاعفة الحسنات الذي يزداد في شهر رمضان، كما أن من الأعمال الصالحة التي يجب على المسلم أن يحرص على فعلها في رمضان إطعام الصائمين والمساكين امتثالاً لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (من فطر صائماً في رمضان فله مثل أجره لا ينقص منه شيء) وهذا لا يكون فقط بمجرد دعوة الصائم إلى منزله لتفطيره بل إن ذلك يشمل أيضاً التصدق عليهم وإعانة الفقراء من الجيران والأقارب بشراء الفطور ودفعه إليهم في بيوتهم، ويستحب أيضاً في رمضان الإكثار من السواك لتطهير فم الصائم حيث قال عنه الرسول: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ففيه مطهرة للفم وتنظيف من الروائح التي تزداد من الفم نتيجة الامتناع عن الطعام والشراب، كما يجب الحرص على أداء العمرة في هذا الشهر الكريم التي يتحول أجرها في رمضان إلى أجر الحج حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (عمرة في رمضان تعدل حجّة)، كما أن في رمضان يتقارب الناس فيما بينهم وتتصافى القلوب من الضغائن وتحبس الجن والشياطين وتكثر تبادل الزيارات بين الأقارب والأرحام فيما بينهم، وتفقد أحوال المسلمين حيث إن من حكمة الله عز وجل في فرضه للصيام أن المسلم في صيامه يشعر بالجوع والعطش فيعرف عليه نعم كثيرة أنعم الله بها عليه تستوجب الشكر والعمل امتثالاً لقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}، كما أنها تجعله يستشعر ما عليه تجاه إخوانه الفقراء والماكين الذين يعانون من فقدان هذه النعمة نتيجة للفقر والحاجة فيحرك فيه نوازع الخير في قلبه إلى البذل والعطاء والمبادرة إلى مساعدتهم بما يملك وبما يستطيع من إمكانيات مادية أو عينية، وفي الختام أتمنى من الله عز وجل أن يتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم وأن يبلغنا أجره ويبعد وجوهنا ويعتقنا من النار.. وكل عام والجميع بخير.