مهنة جديدة مربحة اتخذتها بعض القنوات الفضائية مستغلة بذلك ضعف أصحاب الرؤى أو الأحلام بالأصح، وأكثرهم من النساء اللاتي يحسبن للأحلام ألف حساب، وكأنها واقعة حتمية قطعية. أدرك بعض أصحاب القنوات الفضائية هذا الضعف والسعي الحثيث - من المرأة خاصة - وراء تفسير الأحلام، فأخذوا يتسابقون في جلب مفسري الأحلام على الهواء مباشرة، ولهم من الوقت ما ليس لغيرهم، لأن القاعدة تقول: (كلما زاد الوقت زاد الدخل): كيف لا ورقم هاتف الاتصال يبدأ بـ(700) الذي تبلغ فيه قيمة الدقيقة الواحدة عشرة ريالات، ومتوسط الاتصال الواحد من النساء يصل إلى عشر دقائق يزيد الاتصال بفضل قدرة المفسر( المعبر) على إلقاء الأسئلة الكثيرة والاحتمالات العشوائية التي غالبها (هل أنت متزوجة، كم عندك من الأولاد ؟) ويستمر في سرد الأسئلة حتى يحصل على جواب (نعم) ثم يبدأ في تعبير الرؤيا التي أكثرها (أنت مصابة بعين فأكثري من الرقية والأذكار وستشفين بإذن الله) وتنتهي المكالمة التي سلبت جيب المتصل من حيث لا يشعر، وكأن المتصل هو المستفيد والحقيقة العكس.. ثم ما الذي تضيفه هذه الحلقات للمجتمع من الفائدة ؟ بل تجلب الهم والقلق لكثير من المتصلين إذا لم يكن التفسير مفرحاً، ويزداد الهم والقلق إذا حجب المفسر تفسير الرؤيا عن السائل بحجة عدم المناسبة على الهواء، مما يجعل صاحب الرؤيا أو الحلم في حيرة من أمره، لا يهدأ له بال فيزيد الطين بلة. ويفسد أكثر مما يصلح.
ومن المجمع عليه أن التعبير لا يستند إلى شيء قطعي، وإنما هو اجتهادات خطؤها أكثر من صوابها، والكثير من المعبرين لا يفرق بين الحلم والرؤيا، ويترك المتصل يسرد له أضغاث أحلام أشبه ما تكون بقصة حياة دون أن ينبهه ويقول هذا حلم وليس رؤيا والحلم من الشيطان، لأن القناة مستفيدة بمواصلة القصة المنامية، والمتصل لديه قناعة كاملة بقطعية التعبير ويأخذه مأخذ الجد الذي لا يحتمل الظن.
ومن رجع إلى الهدي النبوي في الرؤى والأحلام يعلم أن الأولى عدم الانشغال في طلب التفسير وتتبع المعبرين، فإن رأى خيراً فليحمد الله، وإن رأى غير ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وينقلب على جنبه الآخر، وعلى المسلم أن يكثر من الأذكار الواردة عند النوم، وإذا استيقظ من نومه، وتذكر حلماً قال: اللهم إن كان خيراً فيسره لي وإن كان غير ذلك فاصرفه عني واصرفني عنه.
ففي رأيي أن هذا خير من تتبع المعبرين خاصة في القنوات الفضائية، التي أصبحت تروج لهذه المهنة وتتنافس فيها وتنشرها على الملأ. ولا يحتج بتعبير الرؤى في القرآن الكريم كما في سورة يوسف، لأن رؤيا الأنبياء حق، فلا تقاس على رؤى سائر البشر.
أما من رأى رؤيا غلب على ظنه أنها مؤثرة ورغب في تفسيرها من أهل الاختصاص الموثوق بهم فلا مانع من أن يذهب إليه بصفة خاصة ويطلب تعبيرها، مع علمه بأنه ظن لا يصل إلى حد القطع، فتعبير الرؤى لا بأس به، ولكن ليس بالصفة التي نهجتها القنوات الفضائية وجعلتها مصدرا للكسب المادي فحسب.
وإني أنصح أخواتي المسلمات أن يربعوا على أنفسهن ولا ينساقوا خلف هذا التيار، فالأمر لا يستحق هذا الاهتمام البالغ، ولو كان خيراً لسبقنا إليه أسلافنا، فاجعلوا وقتكم ومالكم فيما هو أهم.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
dr-alhomoud@hotmail.com