بعيداً عن محاولات التكسب السياسي الرخيص للعقيد معمر القذافي الذي يرى أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون قد فقد شرعيته بعد الاضطرابات التي تشهدها المدن البريطانية.
وبعيداً أيضاً عن المشهد المسرحي للرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي يطالب مجلس الأمن الدولي بالتدخل لإنقاذ الشعب البريطاني من قمع الشرطة البريطانية.
بعيداً عن هذا الهراء الصارخ من اثنين ما كان لهما أن يبقيا على المسرح السياسي لو كان لشعبيهما جزء ضئيل مما يتمتع به الشعب البريطاني. إذ كانا قد أزيحا، ومنذ وقت طويل، وأراحونا من سماع هذه التفاهات. بعيداً عن كل ذلك، ماذا حصل في بريطانيا بحيث يجعل الأوضاع تفلت عن زمام السيطرة في أربع مدن بريطانية كبرى: لندن، ليفربول ومانشستر وبرمنهام.
طبعاً الاضطرابات، والتي تدنت الأفعال بها إلى مستوى أداء العصابات فحصلت عمليات سرقة ونهب وحرق للمراكز التجارية، طبعاً، لم يكن لها دافع سياسي.
أيضاً لا يتفق الكثيرون مع أنها ذات توجه عنصري، فحتى وإن قتل أحد الشبان السود فإن كثيرا من البريطانيين البيض كانوا مشاركين في الاضطرابات.
إذاً: ما الذي فجر هذه الاضطرابات؟ ولماذا اندلعت في مناطق تعد فقيرة ومحرومة..؟!
هنا تكمن الإجابة، فالاضطرابات تعد رداً على اجراءات التقشف وتقليص أموال المساعدات والاقتطاعات التي طالت الموازنة البريطانية العامة، والتي أثرت كثيراً على ما يقدم للمناطق المحتاجة التي تضم عدداً كبيراً من متلقي المساعدات التي تأثرت بهذه الاقتطاعات، وهذا ما يفسر اشتراك الغالبية العظمى من شباب تلك المناطق في الاضطرابات الأخيرة، ولهذا، فإن هذه الاضطرابات التي جاءت عملاً استباقياً من قبل الجماعات والمناطق المحتاجة حتى لا تقدم الحكومة على أجراء مزيد من الاقتطاعات حتى لا يحرموا سكان هذه المناطق من الخدمات والمساعدات التي كانوا يحصلون عليها.
هذه الاضطرابات شهدتها اليونان وغيرها من الدول التي اضطرت إلى تقليص موازناتها، بعضها تراجع عن اجراءات التقشف ورضخ لمطالب المتظاهرين فسقطت الدولة في فخ العجز المالي، ودول أخرى تجرعت السم وواصلت التقليص من أجل خفض العجز، واستعانت بخراطيم المياه، وفي بعض الأحيان بالرصاص لإسكات المتظاهرين وإخماد الاضطرابات وهكذا تفعل بريطانيا.