كان نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية عراب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل على عهد السادات، ورقص فرحا بشكل علني مساء التوقيع مع زوجة الرئيس كارتر آنذاك...
كتب مقالا في صحيفة الشروق يطرح فيه رؤيته لإعادة بناء السياسة الخارجية المصرية في الفترة المقبلة، بعد ثورة 25 يناير، مؤكدا على أن عوامل عدة تحتاج إلى معالجة سلبيات الماضي التي أثرت على مكانة مصر وريادتها الإقليمية، ودورها الفاعل في مسار الأحداث دولياً، ويستند المقال على نتائج الثورة، واعتبرها بداية لبلورة سياسة خارجية مصرية قوية تحظى باحترام النظام الدولي، وتعيد لمصر مكانتها الإقليمية..
ونسي ذلك العراب في مقاله السابق الذي يلهب به عواطف شباب 25 يناير أن موقف مصر في كل مامر بغزة من ظلم وعدوان كان بسبب تلك الاتفاقية التي كان العربي عرابها بشروطها الأقسى من شروط صلح الحديبية، وكان على مصر وساستها الالتزام بتنفيذها على الواقع مهماكان ذلك الواقع مؤلما ومخجلا، فلا يتحمل نتائجها القاسية الرئيس حسني مبارك وحده ولن يشفع للعراب بعد خمس وثلاثين ندمه وطلبه إعادة النظر في اتفاقيات ومعاهدات مصر السابقة واحتج بنقض معاهدتي 1951 و1971مـ وذلك في مقاله السابق:» مصر لها وزن كبير ولها دور تاريخى مهم ولها إسهامات فى جميع المجالات الدولية وليس فقط فى العالم العربى ومحيطها الأفريقى. ولا يليق بمصر أن تتسم سياساتها الخارجية والمواقف التى تتخذها بالارتجالية أو بمخالفات جسيمة لقواعد أساسية فى القانون الدولى مثل الموقف الذى تتبناه مصر تجاه الحصار المفروض على قطاع غزة والذى يتعارض مع قواعد القانون الدولى الإنسانى التى تحرم حصار المدنيين حتى فى أوقات الحروب. هذا الأسلوب فى اتخاذ قرارات تتعلق بالأمن القومي لا يتفق مع مكانة مصر وتاريخها»..وليته في ليلة التوقيع تذكر أن غزة في خطر...
لاأحد ينكر نجاح الرئيس مبارك في سياسته الخارجية التي جعلت لمصر صوتا مدويا في قضايا المجتمع الدولي على الرغم من الإرث المخجل الذي ورثه من سابقيه عبد الناصر والسادات وساسة تلك المرحلة، ولا أحد ينكر عبقريته في إعادة مصر للصف العربي بعد اتفاقيات كامب ديفيد المشهورة، ولا أحد ينكر مكانة مصر الدولية والإقليمية بفضل حكمة الرئيس حسني التي عززت من نمو الاقتصاد المصري ودفعت شر الحروب عن مصر خاصة وعن العرب والمنطقة بعامة وكان من أهمها موقفه الاستراتيجي في اجتياح العراق للكويت واستفزازات إسرائيل وإيران في المنطقة فيما بعد، ومن الأسس المهمة التي قام عليها المقال تغيير المادة الثانية من دستور مصر الحبيبة، إذ ورد في المادة الثانية من الدستور المصري: (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)..فأراد نسف هذه المادة بقوله في مقاله :» المطلوب إقامة دولة عصرية علمانية يحكمها القانون الذى يطبق على الجميع وهذا يقتضي إلغاء الكم الهائل من القوانين التى قام ما يطلق عليهم بـ «ترزية» القوانين بصياغتها خلال السنوات الماضية، بمعنى أن الإطار الدستوري والقانوني الذي حكم مصر لما يزيد على خمسين عاما يجب إعادة النظر فيه بعمق وجدية وشفافية. « والعلمانية كما عرفها المختصون: هي اللادينية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على أساس العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين، وهي تعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع. وقد ظهرت في أوروبا في القرن السابع عشر، وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر. ولاشك أن آثارها على الفرد والمجتمع والهوية الإسلامية خطيرة، ولن يكون علاج آثار الحقبة الماضية وما فيها من أخطاء العسكر في الحكم بالتخلي عن الإسلام لأنه ليس السبب في تلك الكوارث السياسية ومافيها من استبداد سياسي يثبت بكل تفاصيله أن الإسلام بريء منهم ومنها ابتداء من تدخلهم السافر في دعم الثورات في العالم العربي ومحاربتهم لاستقرار الشعوب حولهم بشعارات الرجعية والتخلف وتحرير فلسطين ووعد الشباب العربي بمستقبل أرحب في عالم ديمقراطي اكتشفوا فيه أن الثوار مزيفون يحملون مشروعهم الشخصي في ثورة أكلت الأخضر واليابس بما قدمته من نتائج فاشلة تثبت أنها أكلت أبناءها واستنزفت مدخراتهم وميزانياتهم بحجة مواجهة العدو وخطفت السلطة بطرق غير شرعية وتحولت إلى أنظمة شموليةستبدة تحاسب على النوايا من خلال تعزيز ثقافة الدم والسحل والإعدام..والعجب إن هذا التحول إلى العلمانية جاء بعد فشل النظام العلماني في تركيا بعد عقود فتحولت تركيا إلى الاتجاه الإسلامي، ونجحت تركيا الإسلامية في سياستها الخارجية بتقمص دور أكبر من تركيا العلمانية القديمة التي أرسى تقاليدها «أتاتورك» بصورة فاشية ضد الإنسان والتاريخ والثقافة والحضارة والطبيعة ذاتها، وهذه الصورة الفاشية تهاوت تحت مطارق شعبية التحولات الاجتماعية والسياسية، ولايمكن لسلطة مهماكانت أن تنجح في مسخ الإنسان المسلم وهويته كما فعل أتاتورك حينما ألغى اللغة العربية والعثمانية القديمة وفرض الكتابة اللاتينية على الناس، وألغى حجاب المرأة وفرض التبرج عليها وألغى الإجازة يوم الجمعة، وأغلق المساجد وألغى تميز رجال الدين وعلمائه بلباس الجبة والعمامة، ونشر قوات الأمن لمهاجمة علماء الدين الذين يرتدون العمامة، وألغى التعليم الديني وأغلق مدارسه، وألغى الأذان باللغة العربية وفرض الصلاة لمن يصلي باللغة التركية. وليت من نادى بعلمنة مصر الآن أدرك قبل ندائه أنه بعد ما يزيد عن ثمانين عاما من علمنة تركيا فإن الاتجاه الإسلامي شمل الحياة بكل تفاصيلها على يد الإسلاميين الذين يمثلون التيار الرئيسي في المجتمع التركي فسجلوا بداية لعصر جديد على يد حزب «العدالة والتنمية « بأسلوبه الجديد في الإدارة ذات الطابع المدني الديمقراطي مما يرسم طريقا مفتوحا أمام آمال راودت الغالبية العظمى في تركيا بعدما أفسدت العلمانية طيلة عقود مؤسساتها السياسية والقانونية ووظائفها وفعالياتها أمام غول البيروقراطية العسكرية التي عجزت عن المزاوجة بين الإسلام والعصر، وبين الإسلام والحياة المدينة...
لاشك أن مراجعة السياسة والاستراتيجيات ضرورة لتصحيح الأوضاع الداخلية والخارجية من خلال تعديل الدستور والقوانين واللوائح التى أعاقت التطبيق السليم لروح العدالة والحق الطبيعي في احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي تنادي بها المواثيق الدولية. ولكن في ظل الثوابت الشعبية والأسس القومية التي تؤكد إسلامية مصر وعروبتها وبخاصة أن التغيير سيكون للأسوأ، حينما تعطي مجالاً للعلمانيين والليبراليين وعبدة الشيطان والطوائف الأخرى أن تمس إسلامية مصر وعروبتها وهويتها المميزة وتتجاهل شعور أكثر من ثمانين مليون مسلم مقابل نسبة ضئيلة لغير المسلمين ممن عاش في كنف أخوة المسلمين وإنسانيتهم على مر التاريخ الإسلامي...والله من وراء القصد.
abnthani@hotmail.com