|
الجزيرة - د. حسن الشقطي *
خسر مؤشر السوق السعودي هذا الأسبوع حوالي 385 نقطة على خلفية تداعيات أزمة الدين الأمريكي، حيث خسر السوق في يوم واحد (السبت الماضي) حوالي 350 نقطة دفعة واحدة في ضوء إعلان مؤسسة استاندرالجزيرة بوز عن خفض تصنيفها للقدرة الائتمانية للولايات المتحدة، ويعتبر ذلك سابقة غير معهودة في أن يتم تخفيض تصنيف الولايات المتحدة، رغم أن ما لا يعرفه الكثيرون أن دين الولايات المتحدة ليس جديدا، ولا يعود لفترة قصيرة، وإنما يرجع لعام 1798م .. إلا أنه رغم طول فترة استدانة الولايات المتحدة، إلا أن هذا الدين لم يصبح واقعاً مقلقاً إلا بعد عام 1981عندما تجاوزت قيمته تريليون دولار..ثم أصبح واقعاً مخيفاً في عام 1995م بعد تجاوز حاجز الخمسة تريليون دولار.. ثم تحول إلى مرحلة مرضية للاقتصاد الأمريكي في عام 2008م عندما كسر حاجز العشرة تريليون دولار.. ولا يزال على وضعه المستفحل كأزمة عاتية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.. وتعتبر استجابة البورصات الأمريكية وربما الآسيوية والأوربية المرتبطة بهذه الأزمة أمراً طبيعياً وتعتبر في سياق الاستجابة الطبيعية لأن هذه البورصات تنتمي إلى اقتصاديات ترتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الأمريكي، وعلى رأس هذه الارتباطات أن دول هذه البورصات تأتي على رأس الدول الدائنة للولايات المتحدة.. وتعتبر الصين واليابان، تليهما بريطانيا من أكبر ثلاث دول دائنة للولايات المتحدة.. لكل ذلك فإن أزمة هذا الدين مقلقة لاقتصادياتها تماماً مثلماً هي مقلقة للاقتصاد الأمريكي نفسه.. إلا أن الأمر الغريب هو الاستجابة الكبيرة والتداعي الواضح الذي سجلته البورصات الخليجية، ومنها البورصة السعودية لهذه الأزمة لدرجة أن المؤشر السعودي تعامل مع هذه الأزمة كأزمة شديدة الحساسية.. فما علاقة السوق السعودي بأزمة الدين الأمريكي؟ وهل هذه المخاوف حقيقية وفي محلها؟
هل يستحق الدين الأمريكي كل هذا القلق؟
يوضح الجدول (1) أن الدين الأمريكي وصل إلى حوالي 14.6 تريليون دولار، وينقسم هذا الدين إلى قسمين رئيسيين، قسم يخص الدين القائم للجمهور العام من أفراد وشركات وولايات أو حكومات محلية أو حكومات أجنبية، وتصل مساهمة هذا القسم في إجمالي الدين الأمريكي إلى حوالي 9.9 تريليونات دولار.. أما القسم الثاني، فيتمثل في الدين القائم لحكومات سواء الصناديق السيادية لدول أخرى أو الصناديق الخاصة أو التمويلات المدارة وتصل قيمة هذا القسم إلى حوالي 4.7 تريليونات دولار.. وبالنظر إلى الجدول (1) يتضح أن القسمين بهما تداخل كبير وواضح، فالجزء القائم من الدين للجمهور العام متداخل معه جزء هام لحكومات أجنبية، وبالتالي فإن مساهمة الأطراف الأجنبية في الدين الأمريكي أعلى من 4.7 تريليونات دولار.. ويشير البعض إلى أن الدين المستحق لأطراف أجنبية عموما على الولايات المتحدة قد يصل إلى حوالي 9.0 تريليونات دولار .. إن التساؤل الذي يثير نفسه: لماذا تحدث الآن بالتحديد كل هذه الزوبعة حول الدين الأمريكي؟ رغم أن هذا الدين يفوق 10 تريليونات منذ 2008م؟ إن الجديد هو وصول الدين للسقف المحدد من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي.. وأيضا وصول هذا الدين إلى حوالي 97% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يمثل ناقوس خطر لوصول الاقتصاد الأمريكي إلى وضع محرج داخليا من جهة، ومحرج مع الدائنين من جهة أخرى.
أكبر دائني الولايات المتحدة
يوجد هناك حوالي (40) دولة تقريبا دائنة للولايات المتحدة بشكل رئيسي وبقيمة تزيد عن 10 مليارات دولار.. تتركز هذه المديونية في دول آسيوية على رأسها الصين التي تمتلك أعلى قيمة في الدين الأمريكي بقيمة وصلت إلى 1160 مليار دولار (بنسبة 25.7%)، تليها اليابان بقيمة 912 مليار دولار (بنسبة 20.2%).. أي أن الصين واليابان وحدهما يساهما بنسبة 45.9% في الدين الأمريكي، أي أن نصف الدين الأمريكي تمتلكه الصين واليابان.. ثم تساهم الدول الأوربية بقيمة ليست منخفضة في الدين الأمريكي أيضا بقيمة تصل في الإجمالي إلى 946 مليار دولار.. وتأتي على رأس الدول الأوربية الدائنة للولايات المتحدة بريطانيا بقيمة 347 مليار دولار.. ثم يأتي في المرتبة الرابعة الدول المصدرة للنفط وهي المجموعة التي تضم حوالي (15) دولة، وتضم دول مجلس التعاون الخليجي، وتساهم هذه المجموعة مجتمعة بحوالي 230 مليار دولار.. ثم تأتي البرازيل وتايوان وهونج كونج وروسيا وسويسرا وكندا بقيم أقل.. وبالطبع فإن مشكلة الدين الأمريكي تعد أزمة لاقتصاديات كل من الصين واليابان نظرا لكبر وضخامة حجم ديونهما على الولايات المتحدة.
إسرائيل ومصر من بين دائني الولايات المتحدة
من غرائب الدين الأمريكي أن إسرائيل ومصر أتيتا من ضمن الدول الدائنة للولايات المتحدة بقيم 19 و13مليار دولارعلى التوالي، وذلك رغم أنهما من أعلى الدول التي تحصل على منح أمريكية بشكل رسمي وسنوي.
هل مخاوف البورصات الخليجية حقيقية؟
الإجابة نعم، ولا تعود هذه المخاوف فقط لضياع أو فقدان مديونياتها على الولايات المتحدة، ولكن تعود إلى مخاوف حدوث أزمة مالية عالمية جديدة، هذه المرة من الممكن أن تعصف بالاقتصاد العالمي ككل.. لأن هذه الأزمة إن لم تجد حلاً حقيقياً وجذرياً يمكن أن تهوي بعملة الاحتياط الدولية الرئيسية، ومن ثم يمكن أن تضع الاقتصاد العالمي في مهب الريح ليتبلور من جديد.. وبالطبع الاقتصاديات الخليجية تخشى المجهول في ظل غياب وفقدان الدولار كعملة تقيم بها صادرات النفط.
تأثيرات السيناريوهات البديلة لحل الأزمة على دول الخليج
تشير التقارير الدولية عن الأزمة إلى أنه يوجد أمام الولايات المتحدة ثلاثة سيناريوهات بديلة لحل أزمتها الحالية
(1) السيناريو الأول: إمكانية مبادلة هذه الديون بسلع وبضائع أمريكية.
(2) السيناريو الثاني: قيام البنك الفيدرالي الأمريكي بطبع كميات جديدة وكبيرة من الدولار لسداد ديونه.
(3) السيناريو الثالث: ترك الأمر على ما هو عليه، بما ينذر باحتدام أزمة مالية عالمية جديدة.
في اعتقادي أن السيناريو الأول هو الأقل ضررا، رغم أنه يمثل نوعاً من ضياع أو تنازل الدول الدائنة عن ديونها على الولايات المتحدة، لأن هذه البضائع دوما تمثل سلع راكدة بالسوق الأمريكي.. أما السيناريو الثاني، فقد يتسبب في تضخم جامح عالمي.. أما السيناريو الثالث، فهو أقرب لسيناريو إعلان حرب اقتصادية وليس أزمة عادية.