لكل إنسان في هذه الحياة ذكريات في فترات متباعدة من الزمن وفي كل جانب من جوانب الحياة واستعرض شيئاً من ذلك خلال بعض الرحلات في شهر رمضان، ومنذ سنوات كنت أحضر مؤتمراً للتعليم في إحدى الولايات الأمريكية، وقد حضر هذا المؤتمر وفود شتى، وكان ذلك في شهر رمضان، وقد حضر المؤتمر عدد من المسلمين وبعد أن ألقيت الكلمات وكنا نسمعها من خلال السماعات المثبتة في المقاعد وبعد ذلك دعي الحضور إلى مائدة الطعام.. وقد اجتمع الإخوة المسلمون وقوفاً في آخر المائدة وكان الجميع صائماً وقد كان ذلك موضع تعليقات الوفود واستغرابهم ودهشتهم.
وعندما كثرت التساؤلات ولفت ذلك نظر الحاضرين جاء رئيس الحفل فأخبرناه بأننا في شهر عظيم هو شهر رمضان، وفيه يفرض الصيام، وجعل الله الصيام شهراً كاملاً وهو عبادة للمجتمع المسلم بأسره.. ثم قال بأدب: هل يتقدم أحدكم بكلمة توضح للحاضرين ذلك؟ فكانت مناسبة طيبة أن يتحدث المرء أمام هذا الجمع الحاشد والجمهور الكبير من مختلف الأجناس والأديان، وعندما طلب رئيس الحفل من الحاضرين ذلك ضجت القاعة بالتصفيق.. فتحدثت وعلى الفور يقوم أحد الزملاء ممن هو متمكن في اللغة الانجليزية بالترجمة.. وبعد الحديث والتعريف بالإسلام كان الحديث عن رمضان فهو كف النفس عن شهواتها في وقت حدده الله وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس طوال شهر رمضان، وهذا الامتناع عن الطعام والشراب يحتاج إليه الفرد كما يحتاج إليه المجتمع؛ فكلاهما في حاجة إلى ضوابط تحول دون الانحراف وتقيم في النفس رقابة ذاتية تمنع الإنسان أن تمتد يده إلى حرام أو تمتد عينه إلى ما يغضب ربه أو يفكر قلبه في إثم أو فاحشة، وهذا كله يحققه الصيام. فالصيام تربية روحية وأخلاقية وذاتية وتربية الإرادة القوية التي تدفع صاحبها إلى فعل الخير وتجنب الشر ويستمر هذا الدرس والتوجيه للإرادة شهراً كاملاً كل عام حتى يصير الإنسان بعد ذلك صاحب عزيمة قوية وإرادة صادقة، ويقدر أن يقف أمام الشدائد بقلب قوي وروح معنوية عالية، وبهذه الإرادة يرتفع الإنسان إلى مستوى القوة والمسؤولية والشجاعة فالصوم جهاد للنفس وتربية لها على القوة والصمود، وأن الأمم كلما كان أبناؤها يحملون بين جوانحهم العزمات القوية والإرادة الصلبة كان أدعى لنجاحها وانتصارها ووقوفها في مواجهة أعدائها وهذه الإرادة تتربى من خلال الصوم والذي جعله الله أحد أركان الإسلام الخمسة.
وقد كانت ترجمة زميلنا فائقة رغم سرعتها، وشكرنا رئيس الحفل والحاضرين على مجاملتهم الكريمة وإتاحة هذه الدقائق لإيضاح الحكمة الإلهية من فريضة الصيام.. وقد كان سرورنا بالغاً حينما رأيناهم يطرحون الأسئلة عن الإسلام، وقد كان البعض يتحدث عن ذلك من خلال معرفته ببعض الشخصيات الإسلامية وما قرأه في الصحف والمجلات، وقد كنت أعجب لأمر لاحظته فيهم هو أن البعض حريص على التعرف على الدين الإسلامي، ولذا يبدو منه الترحيب والحفاوة وحب النقاش والاستفسار وطلب الإيضاح لبعض المسائل الدينية. وعلى أية حال، فإن رسالة المسلم أن يحرص على أن يكون قدوة حسنة في أي مكان، وكلما أتيحت له الفرصة عليه أن يشرح رسالة الإسلام ويوصلها إلى أكبر عدد ممكن وخاصة لأولئك الذين لم يعرفوه أو يسمعوا به أو يتصوروه.
* عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية