Monday  04/07/2011/2011 Issue 14158

الأثنين 03 شعبان 1432  العدد  14158

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كان مما جلته جلاء واضحاً هبَّة الشعب التونسي، ثم هبَّة الشعب المصري، ضد المتسلِّطين المُتحكمين في تونس ومصر مدى الفساد المستشري، الذي من وجوهه البشعة نهب المال العام وإهداره لصالح أعداء أُمتنا. وكثير من الناس يعلمون علماً يكاد يكون يقيناً أن النادر من حكام أُمتنا؛ وبخاصة في العقود الخمسة الأخيرة، من لم ينغمسوا في مستنقع ذلك الفساد.

ويستوي في هذا الانغماس حكام الأُسر الوراثية وحكام الانقلابات العسكرية، التي سمِّي بعضها ثورات، والتي منها ما أصبح حكمها أُسرِياً مُتوارثاً فعلاً وما كاد يصبح كذلك لولا أن الله قدَّر غير ذلك.

على أن مما يلفت النظر أن الحكام الذين ادَّعوا أنهم بانتزاعهم الحكم ممن سبقوهم إليه قد أتوا ليِحرِّروا شعوبهم ويصلحوا شؤونهم اتضح أن أكثرهم أصبحوا كوارث على هذه الشعوب. وكنت قد أَشِرت، قبل أكثر من ثلاثين عاماً، إلى المُتسلِّط من هؤلاء قائلاً:

أني بالمنى الخضراء عند مجيئه

وعوداً ولم يصدر بما كان قد مَنَّى

وكم مُدَّع تحرير شعب وفعله

يبرهن أن الشعب أمسى له قِنَّا

و كنت قد أشرت في مقالة الأسبوع الماضي ومقالة الأسبوع الذي سبقه إلى شيء مما ارتكبه -وما زال يرتكبه- المُتحكمون في ليبيا واليمن وسوريا من تسلط واستكبار على شعوبهم عقوداً من الزمن، وقلت: إني أكاد أعتقد أنه تحكمهم لابد أن ينتهي، لكن ثمن نهاية هذا الحكم مرتفع غاية الارتفاع.

على أن المتابع لما يكتب ويرى في وسائل الإعلام المختلفة يرى أن ما هو جارٍ الآن في كل من ليبيا وسوريا أسوأ بكثير مما هو جارٍ في اليمن.

ذلك أن الأمور في اليمن لم تصل إلى ما وصلت إليه من جرائم بلغت بشاعتها إلى القتل الجماعي وإلى الفتك بمن لم يبلغوا الحلم؛ بل وإلى هتك الأعراض.

قد يقول قائل: إن من أسباب عدم وصول الأمور في اليمن إلى ما وصلت إليه في كل من ليبيا وسوريا ما أثر من حكمة يمانية. وهذا احتمال وارد.

وقد يقول قائل آخر: إن من أسباب ذلك إدراك الجميع في اليمن أن كل فرد من أبناء الشعب لديه سلاح وأنه قادر على استعمال هذا السلاح متى شاء.

وهذا احتمال وارد أيضاً. ومهما كانت الأسباب فإن كل مخلص لدينه وأُمته يرجو الله -جلَّت قدرته - أن يتمكن الشعب اليمني؛ عاجلاً غير آجل، من تحقيق أهدافه التي هبَّ من أجل تحقيقها.

الوضع في سوريا وضع مستحكم العقد؛ داخلياً وخارجياً. فعلى المستوى الداخلي هناك تفرد الحكم فيه على أساس حزبي ينظر إليه بعض الشعب على أنه لم يعد حزبياً فحسب؛ بل أصبح، أيضاً، طائفياً مؤيداً كل التأييد من دولة ذات علاقة غير ودية مع العرب، ماضياً وحاضراً، وعلى المستوى الخارجي هناك اهتمام لا مناص عنه لدى إيران، التي أصبح النفوذ الواضح الجلي في تسيير دفة الأمور في العراق المجاورة لسوريا، ولدى أمريكا، التي يهمها -بالدرجة الأولى- ما يهم الكيان الصهيوني المجاور لسوريا والمحتل لجزء من أراضيها.

وكل من قادة أمريكا المتصهينين وهذا الكيان الصهيوني يهمهما أن يبقى الوضع في المنطقة على ما هو عليه؛ وبخاصة أن تهويد فلسطين - بما فيها القدس - يسير على قدم وساق.

أما الوضع في ليبيا فمن وجوه تعقيداته أن بقاء المتسلط على حكمه أكثر من أربعين عاماً خلق - بدون شك - منتفعين من هذا الحكم لا يطيب لهم حتماً أن يفقدوا مصالحهم الذاتية؛ إضافة إلى انخداع كثير من أفراد جيل وُلِدوا وبذلت جهود إعلامية جبَّارة لغسل أدمغتهم حتى أصبحوا مجرد آلات يحركها المُحرِّك كيف يشاء.

ومما زاد الأمور تعقيداً، وأعطى ذلك المتسلط وزباينته ورقة يلعب بها أمام أولئك المغرر بهم، الاستعانة بقوات أجنبية؛ وهي استعانة حتمتها ضرورة حماية أكثرية الشعب الليبي من بطش آلته العسكرية وتفادي مجازره، التي كان - وما زال - مصمماً على ارتكابها.

أما مقدرة الشعب الليبي على الصبر في الشدائد، وتصميمه على نيل أهدافه، فليست غريبة من شعب كان في مقدمة أبطاله عمر المختار، تغمده الله برحمته ورضوانه.

ولعل من أوضح ما لفت نظر كاتب هذه السطور، وأهمَّه دلالة، ما ظهر من تمسك الشعب الليبي النبيل بدينه، ووجود علماء أجلاء في رحابة تكسوهم المهابة، وتعبِّر كلماتهم عن رزانة وحكمة وبلاغة.

أما مقدرة ذلك الشعب على الصبر في الشدائد مع تصميمه على بذل دمائه لنيل أهدافه التي يتطلع إليها فليست غريبة عليه؛ وهو الذي كان في مقدمة أبطاله عمر المختار، تغمده الله برحمته ورضوانه.

 

حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض
عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة