هناك نخبة قليلة من الشخصيات العالمية التي تعرف باسمها الأول فقط, أهم تلك الشخصيات هي (أوبرا) التي يشاهد المجتمع الأمريكي بل العالم بأسره هذه الأيام الحلقات الأخيرة من برنامجها الحواري الشهير «أوبرا شو» والذي سمي «بموسم الوداع».. هذا البرنامج الذي حصد نجاحاً باهرا ًعلى مدى 25 عاماً قضتها بتقديم حلقات جعلتها أيقونة الإعلام في العالم ونجمة لا تزيدها الأيام إلا بريقا ً..

مسيرة لم تبدأ بحظوظ وفيرة, ومقدمة لم تنبأ بولادة ملكة بمرتبة إنسانة, فهي التي نشأت ومن حولها وعلى مرمى نظرها ألم ووجع وخوف, فقر مدقع أجبرها على ارتداء أكياس البطاطس, ودفع جدتها اللطيفة أن تسدي لها نصيحة وهي تغسل الملابس وتنشرها خارجا ً بأن تراقبها وتتعلم منها لأنها ستكبر وتفعل ذلك, ولكن وحسب أوبرا أنبأها قلبها أن لها مستقبلا مختلفا.. مختلفا كثيرا ًفهي التي صرحت مرة بإيمانها بأنها ستصبح مليونيرة في سن الواحد والثلاثين.

فمضت سنو حياتها الأولى وهي تتجرع كؤوس الفقر والحرمان, ولكن تأخر بزوغ الضوء في آخر النفق حين توّجت مسيرتها مع الأحزان باغتصابها وهي ابنة التاسعة.

هذه الصدمات المتتابعة لم تهزمها, بل خلقت حافزا ًمن الغضب والرغبة في التطور في داخلها فأحيانا الدمار يكون طريقاً للتحول, فانكبت على القراءة بشراهة, والتهمت الكتب واحدا ً تلو الآخر ثم شقت طريقها بمخزون ثقافي وعلمي ولغوي لدخول عالم الصحافة والإعلام, فعملت مذيعة أخبار لإحدى محطات الإذاعة التي اختارتها على سبيل الصدفة حينما أعجبت بفصاحتها, مما مهد لها الطريق لفرصة تقديم برنامجها الصباحي وحينها كانت أول مذيعة سوداء في المحطة, وبعدها بدأ نجمها بالصعود عندما أظهرت موهبة فذة وغير اعتيادية بالحوار الهادئ المتزن والمشوق أيضا ً, وسرعان ما أصبح يحقق برنامجها شعبية متزايدة فسجل التاريخ ولادة ملكة البرامج الحوارية بلا منازع, فأسست شركة إنتاج باسم «هاربو» وهو التهجئة العكسية لاسمها.

وضعت أوبرا معايير جديدة للبرامج الحوارية واستضافت خلال مسيرتها الطويلة في التقديم البديع شخصيات لم يحالف الحظ كثيرا من مقدمي البرامج في العالم لاستضافتهم مثل محررجنوب إفريقيا نلسون مانديلا, والنجم العالمي مايكل جاكسون في حلقة وصل عدد مشاهديها إلى 100 مليون مشاهد, وغيرهم من مشاهير العالم.

وإني لا أفشى سرا حين أقول: إنها كانت الداعم الحقيقي والسجادة الحمراء التي ضمنت وصول باراك أوباما لسدة الحكم ببهاء وإبهار في أعظم دولة في العالم.. وإلى جانب السلطة فهي تعتبر من أغنى نساء العالم بثروة قدرها 2.7 دولار أمريكي تسخر جلّها لأعمال الخير والعطاء في أفريقيا وكثير من الدول الفقيرة.

أما الآن دعوني أحدثكم عن الصدفة السعيدة واللحظة التي أصفها بالذهبية التي جمعتني بها في ذات المكان, ففي تاريخ 1-1 من العام الجاري ذهبت إلى أحد المطاعم الشهيرة في مدينة «لوس أنجلوس» لتناول وجبة الغداء مع عمي ووالدي -رحمه الله- وبعد دقائق قليلة دلفت بهدوء مهيب الآنسة وينفري ومعها إحدى مساعداتها, لا شيء غريبا في دخولها سوى أنها أوبرا وينفري نفسها !! جلست في الطاولة المقابلة والبشاشة تعلو وجهها, حبي وتقديري وإعجابي القديم بها وبشخصيتها الكاريزمية الساحرة دفعني للذهاب لإلقاء التحية, وإبداء شيء من الإعجاب الذي أكنه لها ولمسيرتها المشرفة, فوقفت بترحيب وحب وسألتني ماذا أفعل في الولايات المتحدة؟؟ ومن أي بلد أتيت؟؟ فقلت لها: إنني من المملكة العربية السعودية وفوجئت حين أبدت ترحيبا عفويا ً مضاعفا فند كل التهم التي تؤكد كرهها للعرب والمسلمين.. نقلت لها سريعا ً تحياتي وأمنياتي لها بالحظ الموفق, وبادلتني بدورها التحية وتمنت لأبي -رحمه الله- شفاء ً سريعا ًومضيت إلى طاولتي سعيدة جدا ومتفاجئة بحظي الذي نادرا ما يكون سعيدا !!

الغريب أني عندما وقفت بانتظار السيارة مع والدي أتت أوبرا لتصافحني مرة أخرى وتؤكد تقديرها للمملكة وتتمنى لنا بدفء وود وتواضع يوما جميلا..

انتهى الموقف ومازالت الدهشة سيدة الموقف.. فيا ليت كل مشاهيرنا «النص كم» يتمتعون ولو بجزء ضئيل من سحر التواضع ودماثة الخلق التي تتمتع بها المرأة الأكثر نفوذا وتأثيراًفي العالم حسب فوربس لله في خلقه شؤون!

نبض الضمير: (ندنو من العظمة، بقدر ما ندنو من التواضع).