لقد اطلعت على ما كتبه العلاّمة صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء حول (حكم المظاهرات) في الجزيرة الخميس 10-5-1432هـ في عددها (14077) فأقول مؤيداً لفضيلته:
نعم الله علينا كثيرة لا تُعَد ولا تُحصى {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم: 34)، وقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل: 18)، وإن من هذه النعم الاجتماع على رجل واحد، تحت ولاية شرعية، له بيعة في أعناقنا، يحكم فينا بكتاب الله وسنّة رسوله، له منا السمع والطاعة في المنشط والمكره، وهذه النعمة تحتاج منا إلى الشكر، وأنّ من شكر هذه النعمة، المحافظة عليها، والحذر من زوالها وأسباب منغصاته، ولقد جاءت النصوص وتتابعت الأدلة على ضرورة الاجتماع والسمع والطاعة، كل ذلك من أجل أهداف عظيمة كالأمن في الوطن، وإقامة الصلوات والدعوة إلى الخير، وإقامة الحدود .. الخ {أولمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} (العنكبوت: 67). وإذا أردت أن تعرف حقيقة هذه النعمة فانظر إلى الأمصار حولك في ليبيا وتونس ومصر واليمن وغيرها كثير.
إنّ الكلمة السيئة والعبارة المضلّلة، في مجلس كانت أو عبر منتدى أو شبكة عنكبوتية، هي نواة إفساد هذه النعم، إنّ الخروج على الحاكم بالكلمة هي نواة الخروج بالسلاح، وإنّ المظاهرات الدائرة اليوم في الساحة غير مشروعة في شريعتنا فنحن أمة مسلمة ليست لها حرية الرأي كما يزعمون، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} (الأحزاب: 36), {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 59). وإذا أردت أن تعرف صدق ما أقول، وأنّ الكلمة والعبارة والمظاهرات والبيانات عبر الإنترنت هي نواة الخروج، فتأمّل معي كيف كان الخروج على عثمان بن عفان، بل كيف أدت الكلمات والعبارات والمظاهرات إلى قتله رضوان الله عليه، وهو من هو فضلاً وعلماً وعبادة وسابقة.
يقول عبد الله بن عكيم التابعي الجليل (والله لا أعين على خليفة بعد عثمان، فقالوا: له يا أبا معبد أو أعنت على دمه، قال نعم بذكر مساوئه). ولو فرضنا جدلاً وجود أمراء وحكام يظلموننا، فإنّ الشارع له جواب على ذلك.
جاء سماك بن الوليد إلى ابن عباس يقول له (إن علينا أمراء يظلموننا، أفلا نناجزهم السيف, فقال ابن عباس لا. لا الجماعة الجماعة ..).
ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر عند ظلم أئمة الجور حتى قال (وإن جلد ظهرك وأخذ مالك)، ثم ليعلم أن ظلم الحاكم أو فسقه سببه ذنوبنا فيجب علينا التوبة والندم والاستغفار والاستكانة لله.
يقول الحسن البصري (الحجاج بن يوسف عذاب الله. فلا تقابلوا عذاب الله بعذاب الله، ولكن استكينوا لله) {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (المؤمنون: 76).
فالواجب على المسلمين الدعاء والاستكانة والتضرع عند حدوث الفتن والأزمات لا المظاهرات والتنديدات والشعارات الزائفة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (عبادة في الهرج كهجرة إلي) رواه مسلم، ومعنى الهرج اختلاط الأمور أو هو القتل.
أيها الإخوة..
ينبغي لنا أن نرضى بما قسم الله لنا من معاش ومال ومسكن، وأن لا تكون الدنيا أكبر همنا. إن الحديث عن الاقتصاد والمال أثاره الثوار زمن الخلافة الراشدة، حتى أصلوا في الناس كره الخليفة، فقالوا عبر مجالسهم، إن الخليفة لعب باقتصاد الدولة ونصب أقرباءه, وفعل وفعل ... الخ.
إن تلك الأصوات التي تنادي بالإصلاح الاقتصادي بعضها أصوات مأجورة، لها أهداف ومقاصد سيئة، كما أنّ بعض الأقلام التي تلمز الحاكم وتدغدغ مشاعر الشعب بذكر الاقتصاد وحقوق الشعوب، له أهداف مشبوهة ولست بهذا أعمم.
فشهيد الدار لم يقتل إلا بالأصوات المأجورة، والشعارات الزائفة التي تنادي بالإصلاح الاقتصادي، حتى غرو الناس بما يقولون ويكتبون، وحقيقة المؤامرة هنا وهناك، إنّ الثوار يريدون الدنيا لا الدين، ولو تأمّلنا سوياً بالمظاهرات لم نجد من نادى بتحكيم الشريعة في شؤون الحياة كمظاهرات مصر وتونس، مثلاً، وأخشى ما أخشاه أن ينطبق على أولئك قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (التوبة: 58)، فإنّ المتظاهرين لو أعطوا مالاً أو منصباً أو وظيفة، لأحبوا الحاكم وأكثروا من مدحه والثناء عليه.
فهل نستفيد من تاريخنا، ونأخذ العبرة والعظة, وكم من حق يراد به أباطيل {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (يوسف: 111)، أما غير أولي العقول فلن ينتفعوا، لن ينتفعوا، لن ينتفعوا.
الله أسأل أن يصلح أحوالنا، وأن يجمع شملنا ويحفظ قيادتنا.
وإلى اللقاء ...
فهد بن سليمان التويجري