تتميز الأحساء بتاريخها الثري وموقعها الجغرافي المميز، فهي البوابة الشرقية للمملكة، حيث تربطها بمعظم دول الخليج العربي، كقطر وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة. والأحساء -حتى وقت قريب- كانت الوجهة العلمية لطلاب مجلس التعاون الخليجي؛ لوجود بعض التخصصات العلمية التي لا تتوفر في بلدانهم، كالزراعة والطب البيطري في جامعة الملك فيصل-الجامعة الحكومية الوحيدة في الأحساء.
ويعتبر التعليم من أهم المكونات الاجتماعية والثقافية التي يراهن الأحسائيون عليها كثيراً. ساهم هذا الرهان في بروز الكثير من أبناء الأحساء في مجالات علمية وأدبية، ولعل أبرزهم الأديب والوزير الراحل غازي القصيبي الذي تلقى جزءاً كبيراً من تعليمه في مدارس الأحساء قبل أن يستقر هو وعائلته في البحرين.
لم يواكب التقدم العمراني الهائل الذي تشهده الأحساء -كغيرها من محافظات ومناطق المملكة- والزيادة المطردة في السكان توسعاً في المؤسسات التعليمية العليا التي تستطيع استيعاب أعداد الطلاب والطالبات الكبيرة التي تتخرج سنوياً، وهذا يجبرهم على الالتحاق بجامعات خارج الأحساء، سواء في المملكة أوفي بعض دول مجلس التعاون الخليجي. يوجد في الأحساء مؤسسات تعليمية معدودة، وهي جامعة الملك فيصل، وكلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود، والجامعة العربية المفتوحة، وكلية التقنية، وكليات العلوم الصحية، وكليات آداب وتربية للبنات أصبحت - فيما بعد- تابعة لجامعة الملك فيصل. باستثناء جامعة الملك فيصل التي تعمل-حالياً- على تطوير بنيتها التحتية، وهي خطوة جاءت متأخرة بعض الشيء، فجميع المؤسسات التعليمية الأخرى لا تستطيع استيعاب أعداد كبيرة من طلاب وطالبات مدن وقرى وهجر الأحساء المتناثرة في أحضان واحتها الخضراء، بسبب الإمكانات المادية والمكانية المتواضعة لهذه المؤسسات. وهنا يبرز السؤال التالي: هل تحتاج الأحساء إلى جامعة حكومية أخرى؟ الإجابة بالتأكيد «نعم.»
وهذا بدوره يقودنا إلى طرح سؤال آخر: لماذا لا يتم تحويل كلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض إلى جامعة مستقلة في الأحساء؟ تمتلك كلية الشريعة مقومات التحول إلى جامعة، ففيها أقسام علمية جيدة خرجت آلاف الطلاب خلال تاريخها الذي يمتد أكثر من 30 سنة.
كذلك تمتلك الكلية أعضاء هيئة تدريس على مستوى عال من الإعداد الأكاديمي، ولديها حرم جامعي جديد. لقد أثبتت فكرة استقلال الكليات عن الجامعات الأم وتحولها إلى جامعات مستقلة جدواها وفاعليتها في تحقيق الجودة في التعليم العالي. فهذه جامعة القصيم التي استقلت عن جامعة الملك سعود تشق طريقها نحوالتميز، والشيء نفسه ينطبق على جامعة الخرج التي استقلت عن جامعة الإمام محمد بن سعود. ولعل استقلال جامعة الملك فيصل بالأحساء عن فرعها في الدمام ليكون جامعة أخرى تحمل اسم «جامعة الدمام» أنموذج حي، يمكن تطبيقه على كلية الشريعة في الأحساء.
لا يخفى على الكثير من المشتغلين في المجال الأكاديمي أصناف البيروقراطية التي تؤخر عجلة النمو والتطور لهذه الكليات «التابعة» لجامعات كبيرة تقع خارج النطاق الجغرافي لهذه الكليات. يعتبر التواصل الإداري والأكاديمي بين هذه الكليات التابعة ومراجعها من الجامعات معقداً، لأنه يمر عبر قنوات كثيرة مما يجعل هذه الكليات الفرعية أسيرة البيروقراطية المقيتة. إن لدى هذه الجامعات التي لها فروع في المملكة من الأعمال والمسؤوليات ما هو كفيل بأن ينسيها فروعها.
حدثني أحد الأساتذة الذين يعملون في كلية تابعة لإحدى الجامعات بعد عودته من البعثة أنه احتاج إلى أن يرفع معاملة للجامعة الأم في الرياض ليتم له توفير مستلزمات مكتب، واستغرقت العملية أشهراً!! وهكذا هو الحال في كافة الإجراءات الإدارية والأكاديمية. والتنيجة الحتمية لهذه البيروقراطية المقيتة هي تدني المستوى الإداري والأكاديمي لهذه الكليات التابعة، والتي ستكون أفضل حالاً لو تحولت إلى جامعات مستقلة تعنى بشؤونها الخاصة وتطور أقسامها لتشق طريقها نحوالتميز العلمي وتحقيق المنافسة الشريفة في المجالات الأكاديمية، على المستوى المحلي أوالدولي.
ولذلك أوجه الدعوة إلى وزارة التعليم العالي إلى النظر في مدى إمكانية تحقيق الاستقلال الأكاديمي والإداري لكلية الشريعة في الأحساء وغيرها من الكليات الأخرى التي لا زالت «تابعة»، على الرغم من توفر شروط التحول لديها. وفي حال تحويل كلية الشريعة في الأحساء إلى جامعة، أرجو أن تحمل مسمى «جامعة الأحساء».
- أستاذ مشارك اللسانيات النفسية والتطبيقية
mohammed@alhuqbani.com