لا شك أن مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن وعدد من رفاقه وابن له على يد فرقة كوماندوز من قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) قبل عدة أيام قد لا يعني النهاية لتنظيم القاعدة الإرهابي من المسرح السياسي العالمي ولا الإقليمي، بل وقد لا يعني أيضاً بداية للنهاية العقدية للتنظيم الإرهابي الذي تأسس منذ قرابة عقدين من الزمن وانتشر خطابه المؤدلج عقديا ومنطقه الضيق سياسيا في معظم أنحاء العالمين العربي والإسلامي.
فمقتل أسامة بن لادن، وإن كان يعد بكل معنى من المعاني السياسية والأمنية خسارة سياسية ومعنوية كبيرة لتنظيم القاعدة، إلا أن هذا يعني خسارة عقدية للتنظيم ولكن نهاية لعهد قيادي قديم انتهى، وبداية لعهد قيادي جديد غير محدد المعالم من حيث الوسائل المتوقع استخدامها إذ يصعب معرفة ما سيقدم عليه التنظيم من أفعال وعمليات قادمة.
لذا من المتوقع أن تنتقل زعامة التنظيم لمساعد أسامة بن لادن الأول «أيمن الظواهري» الذي أثبت بدوره أنه لا يقل خطورة عن زعيمه وصاحبه أسامة بن لادن. كما من المتوقع أن تستقل التنظيمات الفرعية لتنظيم القاعدة بزعاماتها وخططها وتحركاتها المحلية، بمعنى أن يغدو التنظيم أكثر لا مركزية عن ذي قبل.
سياق الحدث كان بالفعل مفاجئاً ومدهشاً للجميع، ليس وحسب لأنه جاء في أوقات شدة عصيبة لبعض الدول والشعوب العربية، وإنما لأنه جاء في متون توقيت تكاد تكون فيه الأجواء السياسية العربية والإسلامية في حال واضح وصريح من التوتر والتراجع والاضطراب.
فالعالم الإسلامي ساكن ومراقب لما يحدث حوله من أحداث عالمية وإقليمية متقلبة، فيما يواجه العالم العربي تحديات ومخاطر إقليمية فارسية خطيرة، في ذات الوقت الذي يشهد فيه واقع حالات عدة من المخاضات السياسية الأليمة المبهمة، غير واضحة المعالم، والغامضة في التوجه وفي الأجندة القادمة.
تحديداً وقع الحدث أيضاً فيما يواجه اليمن (الذي يعد الوطن البديل لتنظيم القاعدة) حالة واضحة من حالات عدم الاستقرار السياسي بعد أن تنامت حدة الأزمة بين النظام السياسي الحاكم والمعارضة اليمنية، فيما من جانبها تسعى الدول الخليجية مدعومة بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد مخرج سياسي مقبول ومعقول ومنطقي لجميع الأطراف المعنية بالصراع في اليمن. من هنا فإن احتمالات فشل المبادرة الخليجية في هذا الوقت تحديدا يساعد على وقوع اليمن لقمة سائغة في أيدي التيارات والتنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم القاعدة الإرهابي.
من جهة الطرف الغربي، تحديدا الطرف الأمريكي، فإن مقتل أسامة بن لادن يعد نصراً كبيراً لإدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» وإنجازا غير مسبوق له شخصيا لم يتحقق في قرابة سبع سنوات من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق «جورج بوش الابن». مما يعني ارتفاع نسبة شعبيته السياسية التي تدنت في السنة الماضية إلى أدنى مستوى لها منذ وصوله إلى البيت الأبيض.
هل يعني وقوع هذا الحدث الكبير أفول نجم وبروز نجم آخر؟ هل يعني نهاية لتنظيم القاعدة في أفغانستان أو في أي فرع آخر من فروعه المنتشرة في العالم العربي والإسلامي؟ وهل يعني مواصلة الولايات المتحدة الأمريكية في تصفية الرموز القيادية المتبقية لتنظيم القادة؟ أم هل ترى سيكون وقوع الحدث عاملا محفزا ومستفزا لعودة نشاطات وعمليات تنظيم القاعدة الإرهابي في المنطقة وفي العالم كله؟
من الواضح حتى الآن أن لكل فعل رد فعل أو لربما ردود أفعال من قبل جميع الأطراف المعنية بالإرهاب وتلكم المحاربة له، وقضية الإرهاب ممثلا في تنظيم القاعدة لا ولن تنتهي بموت زعيم ما من زعماء التنظيم حتى وإن كان أسامة بن لادن. فالتنظيم تنظيم خطير عقدي مؤدلج ومتطرف خرج على الأمتين العربية والإسلامية تماما كما خرج أسلافهم من الخوارج من قبل على الأمة الإسلامية منذ موقعة «صفين» الشهيرة.
العالم تبعا لذلك شهد حتى الآن مرحلة أفول نجم سابق هوى وانتهى، لكن مع بروز نجم جديد لا يقل في بريقه القاتل عن بريق النجم الذي سبقه. والأحداث وتبعاتها وتداعياتها باقية على ما هي عليه، بل وقادمة طالما بقي المسرح السياسي والأمني مفتوحا على مصراعيه. فتنظيم القاعدة ما زال باقيا على ما هو عليه في واقعه الحالي وحالته الراهنة حتى وإن ذهب ابن لادن إذ هناك من هو قادم من الصف الثاني، بل وحرص التنظيم على بناء صف ثالث من الزعامات القادمة.