ما معنى أن تكون شهادات أكاديميات العلوم الصحيّة معتمدة من الخدمة المدنية والتعليم العالي والهيئة التخصصية للشؤون الصحية، دون أن يجد خريجو هذه الأكاديميات فرص عمل، بعد أن يكون الطالب منهم قد دفع دم قلبه خلال سنتين ونصف السنة؟
فهل نتوقع أن طالبًا استطاع بشق الأنفس أن يقوم بتأمين مبالغ تزيد عن خمسين ألف ريال خلال دراسته، أن يواصل دراسته في الجامعة ليحصل على بكالوريوس في العلوم الطبية؟ وهل الجامعات الحكومية يمكن أن تستقبل هؤلاء؟ أم أن عليهم أن يواصلوا الانتساب إلى جامعات أهلية، ويدفعوا مبالغ طائلة أخرى ليست في مقدورهم؟
المحزن أنه حتى في حالة رغبة هؤلاء في الالتحاق بجامعات أهلية يعني أن تحسب هذه الجامعات دراستهم البالغة سنتين ونصف، بسنة ونصف، وهو أمر متوقع جدًا، لأن ذلك يعني دفع المزيد من الأموال لدراسة تخصصات علمية تمتد إلى خمس سنوات!.
هؤلاء الشباب الذين قاربت أعدادهم ثلاثة عشر ألف خريج، هم ممن تخصص في مجالات لم تزل مستشفياتنا تعج بأجانب من دول شرق آسيا، فهل يعقل أن المجالات الفنية في تخصصات الصيدلة والتمريض والتخدير والسجلات الطبية والإسعافات الأولية قد شغلت بشباب وبنات سعوديات؟ حتمًا كلنا نراجع هذه المستشفيات ونشاهد هذه الأعداد الكبيرة من الموظفات والموظفين من دول شرق آسيا، بينما لا نرى السعوديين إلا في كاونترات الاستقبال أو السجلات الطبية؟ فهل هذه الأكاديميات التي درسوا فيها غير مؤهلة لأن تقدمهم إلى سوق العمل؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فلم تنتشر هذه الأكاديميات في ما يزيد عن خمسة وعشرين فرعا؟ لماذا تغرر بهؤلاء، وتأخذ أموالهم وهي تدرك أنها لن تمنحهم المعارف والخبرات المناسبة لدخول سوق العمل؟
أقول ذلك من باب الافتراض، لكنني أدرك أن معظم هذه التخصصات، أوكلها، تختتم دراستها النظرية بفصل تطبيقي في إحدى المستشفيات، وبالتالي فهم مؤهلون من حيث الدراسة والتطبيق الأولي، لكن الخبرات تأتي بعد العمل، ومنحهم فرصة خدمة بلدهم، أما أن يبقى هؤلاء في زمن جميل، عولجت فيه كثير من قضايا التوظيف، فهو سيجعلهم أسرى حالة إحباط، خاصة أن شعورهم بالأمان الوظيفي يعني استكمال حياتهم الاجتماعية التي توقفت، ومقدرتهم على فتح بيوت جديدة.
لا شك أن هؤلاء الشباب الطموحين، وقضيتهم الشائكة، ستكون تحت أنظار أبي متعب، فهو نصير الشباب والداعم الأول لهم، ومثل هذه الثروة البشرية المعطلة ستتحول إلى قوة اقتصادية مهمة، فهم بحاجة إلى قرار يمنحهم فرصة البناء في وطنهم، لا أن ترمى الكرة في مرماهم، باقتراح عملية التجسير ومواصلة الدراسة الجامعية، لأن أكثر الدول لا تعتمد على خريجي الدراسات العليا، بل إن الفنيين هم من يبحث عنهم سوق العمل، خاصة إذا كان هؤلاء هم ممن ترتبط مجالاتهم بالصحة.
هؤلاء الشباب الذين فقدوا فرصة إيصال أصواتهم إلى أصحاب القرار، لجأ بعضهم إلى إنشاء صفحات في «الفيس بوك» لنقل معاناتهم، ولسان حالهم يقول: إن أعمارهم ضاعت، وأموالهم ضاعت، وأحلامهم في طريقها إلى أن تضيع، بعد أن أمضى أغلبهم سنوات وسنوات لا يكاد يبرح ملحق البيت!