ونحن نعيش هذه الأيام غمار تطبيق المناهج التربوية الجديدة التي عممت وزارة التربية والتعليم تطبيقها في عموم مدارس المملكة، حيث تعد هذه المناهج نقلة كبيرةً وتغيراً يتطلب منا الوقوف خلفها ودعمها؛ لكي تؤتي ثمارها التي نرجو من الله أن تسهم في دعم عجلة التنمية التي تعيشها بلادنا بفضل الله عز وجل،
ثم بما يمتلكه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من رؤية، ونظرة ثاقبة، تحمل في طياتها التجديد، والتطوير، والتحديث لكل ما فيه خير هذا البلاد وشعبها، ولعلي في هذه السطور أوضح بعض الأدوار المطلوبة لدعم تنفيذ هذه المناهج، حيث يجدر بنا ابتداءً أن نجيب عن تساؤل قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم، وهو: لماذا تتغير المناهج أصلاً؟ وقد تطول الإجابة عن هذا التساؤل: ألا أنه يمكن اختصارها بالقول إن المناهج تتغير لعاملين مهمين: أولهما العامل الاقتصادي وما يتعلق بحركة الاقتصاد وهو من أكثر العوامل التي تضغط كثيراً لكي يتم تبني تغيراً في المناهج سعياً للمحافظة على نمو هذا الاقتصاد الذي هو عماد الحياة في أي دولة من الدول، وثانيهما: هو العامل المدني أو الإعداد المدني للفرد، أي: كيف يمكن أن نجعل هذا الفرد يستطيع التعايش مع نفسه ومجتمعه ومحيطه الخارجي (خاصة في ظل هذه التغيرات المتلاحقة في الحياة المعاصرة)، ومن هذا المنطلق فماذا يجب علينا وما الأدوار المتوقعة منا لإنجاح هذا التغيير في هذه المناهج الجديدة؟ ومن المعلوم أن تغير المناهج لا يعد حدثا عابراً، ولا يجب أن ننظر إليه بهذه النظرة، وإنما يجب النظر لهذا التغير في المناهج على أنه عملية معقدة مركبة تحتاج جهداً على كافة المستويات بدءاً من المعلمين وانتهاءً بمستويات السلطة التربوية سواءً العليا منها ممثله في وزارة التربية، أو الإدارة الوسطى المتمثلة في إدارات التربية والتعليم ومراكزها، ومكاتبها الإشرافية، ولعل من نافلة القول إن المعلمين والمعلمات هم (المنوط) بهم تنفيذ هذه المناهج مباشرة، مما يتطلب منهم لعب أدوار جديدة تتواكب مع هذه التغييرات المنهاجية، فيجب تمكين هؤلاء المعلمين والمعلمات من امتلاك مهارات التغيير المتمثلة في (الخبرة الفنية) التي يجب أن يمتلكها أي مغير أو منفذ، والمقصود فيها هنا الأدوات والمهارات اللازمة للتغير وفهم عملياته، وكيف يمكن أن يضع خطته التدريسية لتواكب هذه المناهج الجديدة، وهذا لن يأتي إلا إذا غير المعلم نظرته وتخلى عن قناعته التدريسية التي كان يتبناها في سنوات خدمته السابقة، فأي تغير في المناهج الدراسية ومهما كان جودة بنائها لا يمكن أن تحقق أهدافها وتؤتي ثمارها، إذا لم يصاحبها تغير في ثقافات المعلمين السائدة، وسيكون هذا التغير شكلياً زخرفياً، وسيذهب جهد من خطط لها ووضعها موضع التنفيذ أدراج الريح فأي منهج مدرسي جديد له فلسفة ينطلق منها ويتكئ عليها ويتطلب تنفيذه وفق هذه الفلسفة، فعندما يقوم المعلم والمعلمة بتنفيذ هذه المناهج والتعامل معها بنفس قناعاتهم ومعتقداتهم وثقافات وممارساتهم التدريسية السابقة، فلا نستطيع أن نقول إننا نفذنا هذه المناهج الجديدة وفق ما خطط لها، فأي عملية تغير في المناهج إذا لم يصاحبها تغييراً في ثقافات ومعتقدات المعلمين السائدة بحيث يتخلى هؤلاء المعلمين عن ثقافاتهم التدريسية التي كانوا ينفذون فيها المناهج القديمة والتي قد لا تتناسب مع فلسفة تنفيذ هذه المناهج الجديدة فلا يمكن القول إننا ننفذها وفق ما خطط لها، أو نستطيع أن نجني ثمار ما فيها من تجديد وتحديث، ونحن ننفذ هذا التغيير بعقلياتنا وثقافاتنا التدريسية القديمة، ومع يقيني بصعوبة تغيير المعتقدات الشخصية، والتي عادة ما تكون متغلغلة في نفوس معتنقيها، وأضحت سلوكاً يمارس في عملياتهم التدريسية، إلا أن هذا الأمر ليس مستحيلا بالكلية، خاصة إذا ما واكب تنفيذ هذه المناهج (وعي وتدبر الجهات العليا للتنفيذ)، وإلمام كامل بعمليات التنفيذ المنهاجية وطبيعتها، ويكون ذلك بتقديم الدعم الكامل في صور مختلفة كتدريب هؤلاء المعلمين والمعلمات على كيفية التنفيذ، وتعريفهم بالأسس التي بنيت عليها هذه المناهج ومتطلبات تنفيذها، وقبل هذا وذاك إشراكهم في بناء الرؤية لهذه المناهج، وإن فاتنا ذلك ابتداءً فيجب أخذ وجهات نظرهم في مراجعتها واقتراح طرائق تدريسية تتناسب مع إمكانات مدارسهم وإمكاناتهم الشخصية، فكلما كان المعلم مدركاً لأبعاد هذه المناهج الجديدة، وكان هذا التغير واضحاً بالنسبة له تحقق له قدر من الطمأنينة، وأنه سوف يفهم هذه المناهج وما يتطلبه تنفيذها من أساليب وطرق، مما يسهم بدرجة كبيرة في دعمه لهذه المناهج وسعيه الحثيث لتنفيذها وفق ما خطط لها، ثم بعد ذلك تطويرها بما يقترحه هؤلاء المعلمون بعد مرورهم بخبرات التنفيذ الأولى إلى أن تصل هذه المناهج للغايات الكبرى التي نسعى لتحقيقها.
إذن .. فالتغير في المناهج يجب أن ننظر إليه على أنه عملية ثقافية معقدة، بمعنى إننا سوف نتصدى لمعتقدات وثقافات هؤلاء المعلمين والمعلمات وقناعاتهم بتبني ثقافات تدريسية بديلة تتواكب مع بناء هذه المناهج، وتنتج طرائق تدريسية تتناسب مع فلسفة بناء هذه المناهج ومقتضيات تنفيذها، كما خطط لها، وفي نفس الوقت التخلي عن القناعات التدريسية التي تنفذ فيها المناهج القديمة ليس لقدمها وإنما لاختلاف فلسفات البناء المصاحبة لتطبيق ما هو جديد، ومن المعلوم أنه كلما لمس المعلمون ثمرات هذا التغيير وأنه يلبي حاجاتهم الفعلية، فسوف يبادرون في التخلي عن معتقداتهم السابقة مستغلين ما يقدم لهم من دعم من إداراتهم التعليمية بالتدريب المستمر لمواكبة هذه المناهج وفهم عملياتها وأساليب تدريسها المناسبة. فعمليات التغيير في المناهج نريدها أن تنقل المعلم من ثقافة إلى ثقافة تتواكب مع هذه المنتجات المنهاجية الجديدة، بحيث يتم التعامل معها بعقيلة مختلفة بالتخلي عن المعتقدات السابقة وإحلال هذه المعتقدات الجديدة مكانها لكي يؤتي هذا التجديد أكله وثماره.
ولعل من الأهمية بمكان أن نبين أنه حتى يتم هذا التغيير بشكل تام، يتطلب أن نعرف استعداد المدارس لهذه التغيرات بالإجابة عن بعض التساؤلات المهمة في هذا السياق، فهل المدرسة في وضعها الحالي مستعدة وتستقبل هذا التغيير للمناهج لتبادر في تنفيذه كما خطط لها؟ ثم إلى أي درجة كانت هذه المناهج وثيقة الصلة بالحاجات الفعلية للمدرسة ممثلة في طلابها ومعلميها ومحيطها الخارجي؟ ثم ما مستوى الدعم المقدم سواءً كان مادياً أو بشرياً لإحداث هذا التغير المطلوب؟.
كل هذا لا يجب أن يغيب عن ذهن المخططين والمنفذين لهذه المناهج، كما لا يغيب عنا إعطاء مزيد من الوقت بعد توفير هذه المتطلبات لمأسسة هذا التغيير(أي ليقف هذا التغيير على قدميه) ويذكر العديد من المختصين أنه يتطلب من 3-4 سنوات على ألاّ نستعجل في إصدار الأحكام والانطباعات التي ليس لها سند علمي، لكي يحقق هذا التغير في المناهج أهدافه التي ننشد من خلالها أن يسهم في تحويل مجتمعنا إلى مجتمع معرفي يمتلك زمام المعرفة ويكون مطلباً لأرباب العمل في سوقيه العام والخاص، منافساً عالمياً منتجاً للمعرفة بجميع صنوفها وأشكالها وليس ذلك على الله بعزيز.
(*) أستاذ المناهج وطرق التدريس المساعد في قسم التربية / كلية العلوم الاجتماعية- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
Sa722sa@hotmail.com