الكتابات لا تزيد من مكانته؛ فشخصه ومقامه وإنجازاته الجبارة لا تجعل الكتابات أو القصائد أو المديح تزيده، ولن تزيده الألقاب أو الأوسمة أو الإشادات المحلية والدولية شيئاً بل هو من يزيدها شرفاً ويضفي عليها بريقاً لارتباطها باسمه، وهو أرفع مقاماً وأكبر مكانة منها بكثير لأنه (سلمان بن عبد العزيز)، ولكن لنا الحق أن نكتب لنبرز اعتزازنا وإعجابنا بسلمان، ولنا الحق أيضاً أن نقول «شكراً سلمان»، ولنا الحق أيضاً أن نستفيد من خبراته وفنه بالإدارة وأخلاقه السامية؛ لذلك.. كتبت.
إنها إدارة وأخلاق سلمان بن عبد العزيز؛ فقد قابلت سموه الكريم أكثر من مرة في مجلسه بقصر الحُكْم العامر، وبمجرد أن تنظر إليه تأسرك هيبته ووقاره وقوة شخصيته وحدة نظراته، التي تؤكد من أول نظرة أنك أمام قامة عظيمة، تأسرك كذلك ابتسامته اللطيفة جداً ونظراته الأبوية الحانية، كل ذلك تستشعره بصمت.
وبالرغم من مشاغل سموه العظام وانشغاله بأمور الدولة أو أعماله حاكماً لمنطقة الرياض فهو لا يغفل أبداً عن تخصيص الوقت للنظر في عرائض المواطنين والمقيمين على فترتين خلال الدوام اليومي لاستقبال من له معاملة أو مظلمة، وقلما يخصص المسؤولون مثل هذا الوقت للمراجعين وهم أقل مكانة وأقل انشغالاً من سلمان بن عبد العزيز، ليس لعدم اهتمامهم، ولكن لعدم حسن تصرفهم بإدارة الوقت.
إن لسلمان بن عبد العزيز ذهناً حاضراً؛ فهو لا ينشغل أبداً بغير ما يناقشه أو يقرؤه؛ فسموه شديد الملاحظة لكل شيء ولكل كلمة قد تغير المضمون، نظراً لاختلاف اللهجات باختلاف ثقافات الوطن، وكما هو معروف أن هناك كلمة دارجة لأهالي منطقة تعني معنى آخر لأهالي منطقة أخرى، وهذا لا يفوت على سلمان بن عبد العزيز ببساطة أو يمر مرور الكرام.. لا، بل يناقشها سموه إذا لزم الأمر لكي لا يتخذ قراراً خاطئاً بسبب كلمة يظن كاتبها أو قائلها أن سموه يفهمها بلهجة وثقافة منطقة ما، هذا ما حصل معي بتاريخ 24-1-1429هـ، وهذا يدل على شدة الملاحظة وسرعة البديهة لسموه الكريم بطريقة تؤكد لك أنه اطلع على تفاصيل ما يقرؤه كافة، ويُصدر توجيهاته الفورية، ويُنهي المعاملة بأقل مما يتوقعه مقدم العريضة؛ فيذهلك من فطنته وسرعة قراءته العرائض وسرعة اتخاذه القرار مع استيعابه وتفهمه لما هو مكتوب بجوانبه كافة، ولا ينشغل أبداً بغير ما هو بين يديه لكي يتخذ القرار المناسب دون أي هاجس من صحة قراره أو توجيهه على المعاملة.
يوم الاثنين 25-1-1431هـ كنت أحد الموجودين بقصر الحكم، وقد أعطى سموه درساً إدارياً في (احترام الوقت والعدالة) لجميع الحاضرين من موظفين ومواطنين ووافدين، وأراد أحد المراجعين سرد موضوعه شفهياً، ورد سموه بأن عليك كتابة كل ما تريد بالعريضة بدلاً من الكلام؛ لأن هذا يأخذ وقتاً طويلاً، وهناك الكثير من المراجعين ينتظرون دورهم للنظر في عرائضهم، وكأن سموه يقول «النقاش الذي تريده يأخذ وقت غيرك من المراجعين، وليس لي الحق في أن أعطيك ما لا أملكه، وهو (وقت الغير)»، وفي هذا التصرف حكمة بليغة في إدارة الوقت واحترامه، وفي المساواة بين المراجعين مواطنين أو وافدين، حتى في أجزاء الدقيقة الواحدة، وحسن التصرف في توزيعها. فعلاً إن ما يُكتب بالعرائض يقرؤه سموه بتمعن، ويُصدر توجيهاته، ومن ثم تأخذ المعاملة طريقها لدى القسم المختص بالإمارة في حدود (توجيه سموه)؛ ولذلك يحق لسموه عدم القبول بالسرد نظراً لضيق الوقت ولعدم أخذ وقت شخص آخر أثناء استقبال سموه الجمهور. وما يكتب بالعرائض يكفي عن السرد احتراماً للوقت ولمشاعر الآخرين بعدم التجاوز على وقتهم.
إن سموه يتفاعل مع بعض معاملات الجمهور التي تستدعي السرعة في التوجيه، ولا تحتمل التأخير؛ حيث يستفسر سموه أحياناً هاتفياً عن طريق مكتبه الخاص من بعض المسؤولين عن معاملة مواطن أو وافد يصدر توجيهاته الفورية عليها ليبعدها عن عوائق الروتين لعلم سموه أن تأخر صدور التوجيه قد يترتب عليه ضرر أكبر. فأنا أستأذن سموه لإطلاق دعوة مفتوحة للموظفين الذين لهم علاقة مباشرة بالجمهور لحضور مجلس سموه بقصر الحكم العامر عند استقباله المراجعين؛ وذلك للاستفادة عملياً من خبرة وإدارة سلمان بن عبد العزيز، وأنا على يقين بأنهم سيخرجون من قصر الحكم بأفكار إدارية جديدة لم يجدوها بالأكاديميات الإدارية فيما يخص علاقات الجمهور وتوزيع الوقت وسرعة اتخاذ القرار.
إن لسموه اطلاعاً بأفرع العلوم كافة؛ فقد شاهدت سموه وهو يناقش ويصحح للمختصين، كل حسب تخصصه، بل يزودهم بما لديه من معلومات غزيرة تخص اهتمامهم العلمي؛ ففي أحد الأيام كان يناقشه - كما عرفت لاحقاً - أحد المختصين بالتاريخ، وقد صحّح له سموه بعض التواريخ وبعض الوقائع والأسماء. إن اهتمام سموه بالتاريخ جعله يطلق العنان لجائزته العلمية لتاريخ الجزيرة العربية، واهتمامه بـ(دارة الملك عبد العزيز) هذا الصرح الشامخ الذي يحتوي على تاريخ الجزيرة العربية والدولة السعودية منذ تأسيسها جعلها صرحاً شامخاً نعتز به نحن المواطنين؛ فنجد الدارة قد ضمت آلاف المخطوطات والوثائق التي ترصد وتوثق مسيرة كفاح آل سعود ورجالهم من أبناء الوطن لتحقيق ما ننعم به الآن. وهذا مفخرة لنا نحن أبناء الوطن بأن تاريخ الجزيرة العربية وتاريخنا الوطني في أيدٍ أمينة، بل يوجد من يعتبره المختصون مرجعاً وموسوعة لاهتماماتهم بل وفيصلاً عند الاختلاف لتاريخنا العريق، وهو (سلمان بن عبد العزيز).
وهذا لا يعني أن سموه مهتم بالتاريخ فقط، لا بل مهتم بأفرع أخرى للعلوم، أحياناً نجده يناقش المسؤولين نقاشات علمية يكتب لها النجاح بمجرد الأخذ بتوصيات سموه، وتارة نجد سموه يغدق بثقافته وخبراته المتراكمة على المختصين، وتارة نجد سموه يوجّه المسؤولين بتخطيط المدن لمعرفته بحدود وطبيعة الرياض ومحافظاتها ومراكزها، فقد خطط وتعمق وكرس جهوده، وفي أقل من ثلاثة عقود حقق قفزة نوعية على الأصعدة كافة بالرياض؛ فقد انتشلها من الانزواء على بعضها بأحيائها القديمة، وخطط لها بوعي ودراسة وبتوجيهاته السديدة لرجالاته بأمانة الرياض وبالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وبالإدارة العامة لخدمات المنطقة بالإمارة؛ لكي تصبح الرياض مدينة عصرية تنافس أرقى المدن العالمية، وكما ترونها أنتم الآن، وفيما بعد إن شاء الله أيضاً سنرى الخطط المستقبلية التي لن ترى النور قبل أن يطلقها سلمان بن عبد العزيز من فكرة ويخصها بعنايته لتصبح واقعاً على الأرض.
وبما أن سلمان بن عبد العزيز من أحفاد الإمام محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية ومناصر دعوة الإسلام ومصحح العقيدة ومحارب الجهل والبدع، فقد تمسك حكامنا أحفاده بالعقيدة وبالسُّنة النبوية، وأثبت ذلك سلمان بن عبد العزيز عملياً، عندما أذن المؤذن لصلاة الظهر ترك مكتبه وأعماله وتوجَّه لأداء الصلاة جماعة مع المواطنين والوافدين والموظفين، وهو يستخدم (السواك) متبعاً في ذلك السُّنة المطهَّرة في استحباب السواك قبل الصلاة، وهذا يعطينا مدى تمسك سموه بالسنة النبوية وحرصه على إحيائها، بالرغم من أن باستطاعة سلمان أن يلجأ لاستخدام ما توصلت إليه آخر التقنيات الحديثة في هذا المجال، ولكن حرصه على اتباع السنة النبوية جعله يحرص على استخدام (السواك) بدلاً من غيره.
وهو من حرص والده المؤسس العظيم على تعليم أبنائه على أيدي كبار العلماء لتزويدهم بالعلوم الشرعية بفروعها كافة، والنهل من نهر هؤلاء العلماء الأفاضل؛ حيث قد تجاوز بعلمه واستفادته ما يُدرَّس بالصروح العلمية، أليس والده الملك المؤسس من وحد الجزيرة العربية على ثوابت الشرع، واختار كلمة التوحيد لتكون شعاراً لمملكته، ووالده المؤسس العظيم الذي أنتج هذا الوطن العظيم، وحرص في مشروعه الوحدوي العظيم (توطين البادية) قبل وبعد توحيد الوطن على أن يكون لكل هجرة (إمام أو قاضٍ)، ليُعلِّم أبناء شعبه تعاليم الدين بدلاً من حياة الجهل والعناء تمسكاً واتباعاً لما جاء بالتوجيه السماوي (اقرأ)، لعلمه - رحمه الله - أن الأمم لا تتقدم إلا بالدين ثم التسلح بالعِلْم.
وهو من قال ضمن قصيدته:
دون دين الله نتعب كل أصيلة
نبذل المجهود من دون مخاشياتي
وسموه قد تأثر كثيراً بنشأته الدينية، وانطلق منها لإدارة أعمال إمارته؛ حيث إن قوة شخصيته وإرادته تجعله لا يتردد أبداً في إبداء رفضه أو عدم قناعته؛ فهو قوي الحجة المستمدة من الشرع، وبذلك يقر الطرف الآخر بقناعة تامة بأن حجة سموه جاءت فيصلاً شرعياً تحسم موضوعه.
كما يوجّه سموه على بعض المعاملات بأن تحال للشرع (أجهزة القضاء)، وهذا يدل على تمسك سموه بأن الاحتكام للشرع يرضي الأطراف كافة، وهو بذلك يبعد بعض المعاملات عن روتين الإجراءات الإدارية التي سوف تنتهي لدى الشرع؛ فيبادر لتجنيب المدعي هذه الإجراءات ويحسمها بحسه الإداري بأن تحال لمنتهاها الطبيعي، وهو «الشرع».
كثير من كبار السن يؤكدون أن أسلوب سلمان هو أسلوب الملك المؤسس نفسه في إدارة أعماله ويومياته، وبأدق تفاصيلها.
شاهدت رقة سلمان واهتمامه بإخواننا الوافدين لإدراك سموه أن الوافد يجهل الكثير من اللوائح والأنظمة، ويعجز عن استيعابها لاختلافها عن لوائح وأنظمة بلاده؛ فهو يخصهم - حفظه الله - بعنايته واهتمامه، ويدرك سموه أنهم يلجؤون بعد الله إلى قصر الحكم لهاجسهم من عدم الاهتمام بموضوعهم من قبل الجهات الأخرى، وهنا يرغب الوافد في أن يطلع ويبت بموضوعه سلمان بن عبدالعزيز، لكي يطمئن ويرضى على سلامة الإجراءات التي صدرت من أعلى قمة في الهرم الإداري بمنطقة الرياض، وأحيانا لا تكون في صالح الوافد نظاماً، ولكن يبحثون عن الطمأنينة فقط.. إذا اطلع عليها سلمان فهو - حفظه الله - استشعر بحسه الإنساني والإداري هذا الهاجس للوافدين، وتفاعل معه بدون أي تمييز بين الوافد أو المواطن في منحه الاهتمام والوقت، هذا ما حثنا عليه ديننا الحنيف، وهذا ديدن ولاة أمرنا - حفظهم الله - وهو الحرص على تلمس احتياج من هم في رعيتهم والمساواة بينهم، كما جاء بالحديث الشريف «كلم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته»، سواء كان مواطناً أو وافداً مسلماً أو غيره.
هي معشوقته؛ فقد عشقها منذ طفولته، وهي تبادله ذلك العشق.. بعشق أدهى وأمر، فكثيراً ما سهر الليالي لكي تنام مطمئنة، وكثيراً ما مسح دموعها وواساها في محنها، وكثيراً ما استمدت هي تماسكها وثباتها من إيمانه وعزيمته وقوته وثباته أمام عظائم الأمور، كثيراً ما ضمد جراحها، وكثيراً ما ضخ دماءه في عروقها لكي تنتعش، وكثيراً ما حاكاها، وكثيراً ما أضحكها عندما يتكدر خاطرها، وكثيراً ما بذل لأجلها، وكثيراً ما كافح وخاض المعارك وركب الصعاب ليجلب لها السعادة والغنائم، تغار عليه.. تعاتبه همساً إذا غاب عنها طويلاً وهي قلقة عليه في غيابه.. تنتظره دائماً بلهفة وشغف العشاق.. ولا يهنأ لها منام إلا بحضوره واحتوائه لها، هو لا يعاتبها بل يجتهد لإرضائها وصفاء جوها الذي يليق بمكانتها، يسمع آهاتها وهو بعيد عنها؛ فيرجع الصدى محمَّلاً منه بالورود الفواحة، فلا يسمع همس آهاتها إلا هو.. ولا يرى الورود الفواحة إلا هي، وهذه لغة العشاق فيما بينهما. واضحة لمساته، هي تسكنه وهو يسكنها، هي جزء منه وهو كل الأجزاء منها، طالما زينها بأغلى الدرر والحلي التي ذهب بعيداً جداً ليلبسها إياها، وطالما عطرها بأغلى وأزكى العطور النادرة، وطالما كساها بأغلى ما يليق بمقامها من كسوة، وطالما أخذ بيدها وأشعل أنامله مصابيح لإنارة دربها، وطالما مد يديه ليرفع عثرتها، هو اسمها وهي اسمه، ارتبطت به وارتبط بها، امتزجت أشجانهما سوياً، وافقته بتطلعاته وطموحه، استمدت من قامته قامتها ومن احترامه احترامها ومن مكانته مكانتها، ميَّزها ولم يجعل لها نداً بين جميع قريناتها، تعيش بفكره وبثوابته، هو يعيش داخلها، روحها وبريقها من روحه، تبتهج عندما يستنشق عبيرها الذي يريحه من تعب الزمان، يحق لها أن تتباهى بهذا العشق وذلك العشيق.. هي الرياض وعشيقها سلمان.
لذا نقول:
سلمان.. فكرٌ يلزم تعميمه.
وهناك الكثير عن سلمان بن عبدالعزيز، ومدرسته الخاصة (السلمانية).
وأخيراً..
نقف احتراماً وإجلالاً لما قاله سمو الأمير عبدالعزيز بن سعود بن محمد آل سعود ضمن قصيدته:
يا نجد.. ما تشكي الهم والجور
وسلمان حي.. وجالس بالإمارة
- حائل* رئيس مركز الشعيبةTurkimm1@hotmail.com