أعتقد أن البيروقراطية هي ما سيذبح بلادنا من الوريد إلى الوريد، ففي كل عمل نؤديه ثمة بيروقراطية وتسويف ولف ودوران يجعل صاحب المصلحة أو المنفعة المنتظرة يزهد في الأمر وينصرف عنه، وهو ما يحدث لدى بعض المخترعين السعوديين الذين يحاولون تسجيل براءات اختراعاتهم لدى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
ما زلت أتذكّر حديث الدكتور عبد الله العثمان مدير جامعة الملك سعود، حينما طرح أن المورد المهم جدًا لدول العصر الحديث هي براءات الاختراع، فكلما ازدادت براءات الاختراع في بلد ما، عنى ذلك أن ثمّة شركات وطنية ستبتاع هذا المخترع الوطني، لتقوم بتصنيعه وتسويقه في الداخل والخارج، ومنح حقوق تصنيعه في بلدان أخرى بمبالغ طائلة، مما يعود على الاقتصاد الوطني بثروات ومواد هائلة، وقد طرح مثالا حيويًا ومعاصرًا، وهي كوريا الجنوبية، التي انتقلت إلى عصر مذهل من النمو الاقتصادي، حتى وصل دخل الفرد فيها إلى عشرين ألف دولار بعد أن كان بضعة دولارات في الثمانينيات من القرن الماضي.
الفارق هناك عن هنا، أن هناك خطط إستراتيجية لما ستحققه كوريا من منجز تقني وتكنولوجي ومبتكرات حتى عام 2050 وذلك بوعي وعزيمة وإصرار، بينما هنا لم نزل منذ فتح باب تقديم الابتكارات إلى مدينة الملك عبدالعزيز، فكثير من الشباب المخترعين والمخترعات حتى الآن، ورغم قدراتهم ومواهبهم، لا يملكون الحد الكافي من الوعي بالخطوات الضرورية قبل التقدّم لتسجيل براءات اختراعهم، وحينما يتصلون يكتشفون اأن ثمّة مصاريف للتسجيل، لكن هذا الأمر تم حلّه بدعم خادم الحرمين الشريفين، لكن ما يؤذي هؤلاء المخترعين أن المخترعات السعودية محمية في السعودية فقط، ولأن قوانين الملكية الفكرية الصادرة من المنظمة العالمية للملكية الفكرية تنص على نشر الاختراع في قاعدة البيانات الخاصة ببراءات الاختراع بعد مرور ثمانية عشر شهر من تسجيله، مما يعني أنه يصبح متاحًا للجميع، وبالتالي يقوم لصوص الاختراعات بتحوير هذا الاختراع السعودي وتعديله، وإدخال بعض التفاصيل الصغيرة، والتقدم به في بلد أجنبي آخر، وتسجيله قبل أن يتم الحصول على براءة الاختراع من أمريكا، ولعل إشارة المخترع يوسف السحار الباحث المشارك بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إلى فقدان مخترع سعودي حق ابتكار ورق الملاحظات اللاصق، وسرقته لصالح شركة أمريكية هي (ثري إم) التي كسبت منه 37 مليار ريال، هو ما يعكس واقع الحال الذي تعيش فيه مدينة الملك عبدالعزيز من إهدار حقوق مخترعات سعودية المنشأ والولادة، وفقدان ثروات مهمة على المدى الطويل.
ما الذي يجعل المدينة لا تسعى إلى أن تكون مخترعاتها المسجلة عن طريقها محمية في دول العالم، لا في المملكة فحسب، حتى لا تفقدها حين تضطر إلى نشر تفاصيل مخترعاتها بعد المدة المعروفة في قاعدة بيانات متاحة لجميع بلدان العالم، وما الذي يجعل المدينة لا تبحث في اتباع أقصر الطرق للحصول على حق براءة الاختراع بدلا من مدد تصل إلى ثلاث سنوات وأكثر!
علينا أن ندرك أن هذه المواهب لدينا، هؤلاء المخترعون الرائعون، هم ثروة البلاد، هم نفطها الأسود الثمين، هم نفطها الباقي على مدى سنوات طويلة جدًا، الذي يزداد لا يتناقص ولا تتذبذب أسعاره، فعلينا أن نتعامل مع الأمر بجدية ووعي.