يحظى أصحاب المهن الحرة (الأطباء، والمهندسون، والقانونيون) في أغلب الدول بعناية تتناسب مع وضعهم والحاجة لخدماتهم التي لا يستغني عنها أي مجتمع متقدم. فتحرص الدول على سن التشريعات الخاصة التي تحفزهم وتوفر لهم بيئة العمل المناسبة التي تحد من استقطابهم للخارج، وتوفير المزايا الوظيفية والمادية التي تحفزهم على الأداء، وتشجع استمرارهم العمل في القطاعات الحكومية التي تحتاج لخدماتهم.
والمملكة كدولة نامية، بحاجة ماسة لخدمات أصحاب المهن الحرة من الأطباء والمهندسين والمحامين. ومع ذلك لم تحظ هذه المهن بالعناية اللازمة من حيث المزايا والتشريعات، باستثناء ما تقرر مؤخراً لصالح الأطباء للحد من تسربهم للعمل في القطاع الخاص وترك المستشفيات الحكومية.
أما المهندسون والقانونيون فلا يزال وضعهم الوظيفي مخيباً للآمال، وقاتلاً للطموح، ولعل هذا الوضع هو الذي دفع مجموعة من المهندسين طلب لقاء وزير الخدمة المدنية لمناقشة وضعهم الوظيفي، والذي تعامل معهم بطريقة تنقصها المهنية وفقاً لما نشر في وسائل الإعلام.
أما القانونيون، فإن الوظائف المتوفرة لهم في القطاعات الحكومية لا تتجاوز (التاسعة) لمن يحمل شهادة الدكتوراه في القانون على وظيفة (مستشار قانوني)، وهو ومعرض للتجميد على هذه المرتبة طيلة حياته الوظيفية، ولهذا السبب تشهد تلك الوظائف عزوفاً من المؤهلين في القانون الذين تستقطبهم جهات كثيرة في القطاع الخاص وتمنحهم المزايا التي يستحقونها، أو يمارسون مهنة المحاماة الواعدة بما تدره من مكاسب وأرباح.
هذا الوضع خلق فراغاً مخيفاً في الكوادر القانونية في القطاعات الحكومية المختلفة يصعب التغلب عليه ما لم توفر الدولة كادراً خاصاً يضمن لهم حياة وظيفية مناسبة. ونتمنى من هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، بصفتها أكثر الجهات التي تدرك هذه المشكلة وتعاني منها أيضاً، وكذالك المجلس الاقتصادي الأعلى، المبادرة بتقديم مقترح للحكومة بإقرار كادر خاص للمهنيين من القانونيين والمهندسين يتناسب مع الحاجة الوطنية لخدماتهم.
فنهضة البناء والتشييد التي تشهدها المملكة بحاجة إلى خدمات أبناء الوطن من المهندسين السعوديين بدلاً من الاعتماد الكلي على الوافدين. والتنظيم القانوني الداخلي، والدفاع عن مصالح الوطن في الخارج، بحاجة لخدمات أبناء الوطن من القانونيين المؤهلين بدلاً من الاعتماد على مكاتب المحاماة الأجنبية. فالهزيمة القانونية في العلاقات الدولية، لا يقل ضررها عن الهزيمة العسكرية.
MALSHMERI@HOTMAIL.COM