من أجل فرض «مذهب ولاية الفقيه» على الشعوب الإيرانية وتصدير هذا الفكر المعتمد على الفكر الصفوي إلى خارج إيران وبالذات إلى الدول العربية، أنشئ الحرس الثوري الإيراني الذي يتبع مباشرة «مرشد الثورة» الذي هو «ولي الفقيه» في نظام ملالي طهران، والحرس الثوري الإيراني مؤسسة متشعبة تدخل في الشؤون السياسية والإدارية في أجهزة الحكم والوزارات في النظام الإيراني، وهذه المؤسسة التي تعد القوة الأساسية التي تقبض على النظام ويخضع لها جميع المسؤولين بما فيهم «الرئيس المنتخب» الذي كان فيما مضى أحد أعضاء هذا الحرس، هذه المؤسسة وكما أوضح «مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية» في الدراسة التي نشرتها صحيفة أخبار الخليج البحرينية، فإن الحرس الثوري الإيراني ورغم أن الهدف وراء نشأته كان ينصرف بالأساس إلى حماية النظام الذي أنشأته الثورة، أي أن هدفه ودوره داخلي بالأساس، فإن اللافت للنظر هو ما طرأ على دوره، وبالتحديد بعض أفرعه الرئيسية، من تحولات وتطورات جعلتها تركز بشكل رئيسي في توسيع دائرة نفوذه إلى خارج الحدود الإيرانية، حيث ترتكز إستراتيجية إيران الخارجية على تجنيد وتدريب عناصر تتبنى الفكر والأيديولوجية الثوريين للحرس، وإقامة شبكة اتصالات وعلاقات واسعة مع العديد من المنظمات الراديكالية في المنطقة، مثل «حزب الله» اللبناني، بجانب الميليشيات الشيعية في العراق، والشيعة في أفغانستان، علاوة على فرض سيطرته على بعض الدوائر الدبلوماسية، من خلال الحضور المكثف في الوقت الحالي لضباط الحرس في القنصليات والسفارات الإيرانية، كذلك تقوم قوة «القدس» في معظم عملياتها الخارجية بالتنسيق مع الحرس ومكاتب داخل وزارة الخارجية الإيرانية ووزارة الاستخبارات والأمن، وتوجد لها مكاتب عمليات منفصلة في لبنان وتركيا وباكستان والعديد من بلدان شمال إفريقيا.
وارتباطاً بما سبق، لا يمكن النظر إلى الحرس الثوري الإيراني باعتباره كتلة واحدة، وإنما يضم بداخله مجموعة من الوحدات والأذرع الفرعية، من أبرزها: القوات البرية، والقوات الجوية، والقوات البحرية، وقوة «القدس» وقوة «الباسيج» (قوة المقاومة ورفع الظلم)، علاوة على فرع الاستخبارات التابع له. ومن بين الأذرع السابقة، تحظى قوة «القدس» وفرع الاستخبارات بالحرس الثوري، بأهمية كبيرة، ولا سيما في مجالات التدريب وجمع المعلومات الاستخباراتية.
وتعد قوة (فيلق) «القدس» التي يقودها العميد «قاسم سليماني» أحد أبرز أذرع الحرس الثوري، حيث يقدر عدد عناصرها، بحسب بعض المصادر، بنحو 5 آلاف عنصر، وتتمثل مهمتها الرئيسية في القيام بمهام استخباراتية وعمليات سرية، ومن الأعمال التي ساهمت فيها: تأسيس «حزب الله» اللبناني في ثمانينات القرن الماضي، وتدريب قوات فيلق «بدر» التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى بالعراق، علاوة على مساهمتها في دعم ومساندة منظمات وحركات عسكرية في كل من لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان، بدعوى تصدير الثورة إلى الخارج.
وتمتلك هذه القوة أربع قواعد عسكرية سرية في طهران، بجانب قواعد أخرى في تبريز وقم ومشهد وشرق لبنان.
ومن خلال قيام فرع الاستخبارات في الحرس بجمع المعلومات عن العالم الإسلامي، تتحرك عناصره، ولا سيما قوة «القدس» لاستغلال الظروف السياسية والأمنية في الدول المستهدفة، بهدف تحقيق المصالح الإيرانية من جهة وزعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدول من جهة أخرى، وثمة أمثلة ونماذج عدة في هذا الإطار، ففي لبنان -إضافة إلى قيام عناصر الحرس الثوري بإدارة معسكرات تدريب لعناصر «حزب الله» في جنوب لبنان- يعتبر الحرس الثوري -طبقاً لما ذكره «أنتوني كوردسمان» المدير السابق للمركز الأمريكي للدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن في 16 أغسطس 2007- مسؤولاً عن تسليح «حزب الله» بإرساله شحناً ضخمة من الأسلحة للحزب تحتوي على أعداد كبيرة من صواريخ (3-TA) المضادة للدبابات والصواريخ البعيدة المدى، وبعض السيارات الإيرانية الصنع من طراز «مهاجر» بجانب قيام طهران بتصدير آلاف الصواريخ من طراز (122-mm) و(فجر -4) و(فجر -5)، وصواريخ بعيدة المدى إلى الحزب.
كذلك عمل الحرس الثوري عبر القوة المذكورة، على توسيع نفوذه ودوره على الساحة العراقية، بعد الاحتلال الأمريكي لهذا البلد؛ إذ يشير العديد من الخبراء الأمريكيين، إلى قيام هذه القوة بعمليات نقل أسلحة للشيعة في العراق، شملت نقل بعض المكونات المتقدمة لصنع أجهزة التفجير المرتجلة، أو المكونات المستخدمة في صنع المتفجرات، بما فيها قطع تجميع الأسلحة والوصلات اللاسلكية المستخدمة لتفعيل هذه الأجهزة، وتحريك الآليات العاملة بالأشعة تحت الحمراء. وطبقاً لبعض وثائق موقع «ويكيليس» التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في 23-10-2010م ثمة دور للحرس في عمليات الاغتيال والتفجيرات التي شهدها العراق، وهو الدور الذي كشف عنه اعترافات معتقلين تلقوا تدريباً في إيران، وعثور القوات الأمريكية على أسلحة مصدرها إيران، منوهة بدور فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في دعم وتسليح الميليشيات العراقية.
ولا يمكن أيضاً تجاهل أن الانفجارات وعمليات الاغتيال وعمليات التخريب التي شهدتها الكويت اعتباراً من عام 1983م، وما قبلها أيضاً وخصوصاً محاولة الاغتيال الفاشلة ضد الأمير الراحل الشيخ «جابر الأحمد» في 25 مايو 1985م كانت تقف خلفها استخبارات الحرس الثوري الإيراني.
وهكذا فإن نظام ملالي طهران الذي يرتكز ويتحصن على هذه المؤسسة القمعية ذات الأذرع الإرهابية الممتدة إلى خارج الحدود إنما يمارس ويسلك نهجاً سياسياً يتوافق مع طبيعة تركيبته التي تعتمد على القمع وفرض الإملاءات.