تعقيباً على مقال الأخ حمزة السالم في جريدة الجزيرة العدد 14065 في 28-4-1432هـ أقول: كتب حمزة السالم في مقاله بعنوان (ألا نستحي في نسائنا). بعبارات حماسية وهو يرى أن عدم مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية ليس من الدين، وليس من الوطنية، وليس من الحضارة، وأورد نصوصاً ومواقف من سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي أدلة عليه لا له، وردود على فكرته لا شواهد على صحتها.. ثم ختم بالحكم على أن منع المرأة من المشاركة في الانتخابات البلدية من عادات الجاهلية - هكذا الجاهلية مرة واحدة - ولا ندري: هل كان عند العرب في الجاهلية انتخابات بلدية أم لا؟!
ولنا مع ما أورد وقفات أهمها:
أولا: ذكر الكاتب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شاور زينب بنت جحش - ولم يذكر أنها أم المؤمنين - سوى أن قال: وهي ضرة عائشة رضي الله عنهما، كما ذكر أنه- صلى الله عليه وسلم- (استشرف) رأي بريرة الجارية في حديث الإفك، كما ذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شاور أم سلمة في الحديبية، وهنا أقول للكاتب: هل كان أخذ رأي المرأة وهي تجلس بين الرجال أم أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان يسأل زوجته وخادمته، وهن في البيت في معزل عن الرجال والفتنة، وهن محجبات ونحن نفعل ذلك يومياً مع زوجاتنا ولهن ولآرائهن قدر كبير عندنا وكم نفع الله بآرائهن.. ولذلك ليس في هذا الاستشهاد مسوغ لإقحام المرأة بين الرجال في مجلس بلدي أو غيره!!
ثانياً: ومثل ذلك يقال في موقف أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- جميعاً كان لها دور كبير في تثبيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد نزول الوحي عليه.. وماذا ينتظر من زوجة مسلمة صالحة اليوم مع زوجها غير الوفاء والمشورة الحسنة وتثبيته في الشدائد، وهذا ما نراه من نسائنا والحمد لله.. ولذلك ليس في هذا الموقف ما يدعم فكرة الزج بالمرأة بين الرجال في عمل ليس من شؤونها الخاصة، وفيه أذى لها وحط من قدرها وإشغال لها عن واجباتها الأساسية.
ثالثاً: أما البحث والتنقيب في كتب الحديث عن مواقف وعبارات لم تعجبك وتصنيفها بأنها من بقايا عادات الجاهلية فذلك مزلق أربأ بك عنه وآمل أن تنأى عن التردي فيه، ففقهاؤنا وعلماء الحديث أسمى وأرقى من أن يكونوا متأثرين بعادات الجاهلية، ووالله ما عزت أمتنا المسلمة إلا حينما تمسكت بكتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأحكام الفقه هي نتاج دراسة وتفكر ونقاش وحوار بين العلماء وفيها جمع بين الأدلة ومتابعة لما كان عليه أصحاب النبي رضوان الله عليهم، وقد أمرنا -صلى الله عليه وسلم- بأن نلزم سيرتهم من بعده، وقال (عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
رابعاً: ذكر الكاتب عبارتين: الأولى (نعم نحن مجتمع ذكوري يستحقر عقل المرأة ويستخف برأيها وذلك بإبعادها عن المشاركة في الانتخابات) والثانية: (نحن قد تعاهدنا كمجتمع ذكوري على ازدراء عقولهن وعدم الاكتراث بإنسانيتهن، وأقول للأخ الكاتب في نظر من ذكرت ما ذكرت، وقد أشرت في بداية هذا التعقيب أننا جميعاً نستشري نساءنا ونأنس بآرائهن ونستفيد من خبراتهن وتجاربهن، وكم نفع الله بهن بيوتنا وأولادنا، ونحن قد وظفناهن مديرات للمدارس والجامعات ومرشدات وموجهات فأبدعن وأصلحن وكان لهن إنتاج نفخر به وتفخر به بلادنا بين بلدان العالم، فمن الذي استحقر المرأة، ومن الذي استخف برأيها، ومن الذي ازدرى عقولهن ومن الذي لم يكترث بإنسانيتهن؟
إن كنت لا تعرف فإنني أقول إنه: من جعل المرأة غلاف مجلة ومن جعلها دعاية للبضائع.. أما حكاية (مجتمع ذكوري) فإننا لا نعرف في الدنيا مجتمعاً ذكورياً ومجتمعاً (أنثوياً) وإنما كل المجتمعات ونحن منها يصدق فينا قول الله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} (13) سورة الحجرات، ولا يستقيم مجتمع وينهض إلا بوجود الجنسين الذكور والإناث وقيام كل جنس بواجباته التي لا يستطيع الجنس الآخر القيام بها.
إن العقول هي التي دلتنا على طريق الفلاح والنجاح والسعادة في الدارين للرجال والنساء وجربناه وسعدنا به قروناً طويلة.
عبدالعزيز بن صالح العسكر