من الطبيعي أن يمطرك طفلك الصغير بسيل لا ينتهي من الأسئلة. والطفل الصغير الذي أقصده هو من بدأ يدرك ما حوله ويلاحظ ظواهر لا يجد لها تفسيراً في عقله الصغير ويكتشف مواقف وأحداث وعلاقات وسلوكيات مزدوجة فيبحث عن إجابات سريعة وعاجلة. قد تبلغ أسئلة الصغير في عددها حدا يخرجك عن طورك ويفقدك هدوءك واتزانك فتضطر لإسكاته وإغلاق فمه المفتوح بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة. ولأنك انزعجت من أسئلته وثارت ثائرتك عليه بسبب عدم قدرتك على الإجابة عن ما يطرحه من أسئلة أو أن نوعية أسئلته من النوع المحرج أو المتكرر أو الذي يحتمل أكثر من إجابة فقد فقدت أعصابك وصرخت بأعلى صوتك في أهل بيتك ليأخذوا هذا «الولد الشقي والمزعج» من أمامك قبل أن ترتكب في حقه جناية!
هذا التصرف من جانبك هو بالتأكيد خاطئ في مثل تلك المواقف. فالطفل في هذه المرحلة ولأن كل ما يحيط به يعتبر جديدا ومجهولا بالنسبة له فهو يلجأ دائماً لطرح الأسئلة على من يثق به ويعتبره مثلاً أعلى أو قدوة كوالديه أو معلميه أو إخوانه الكبار أو أقاربه وإن لم يجد منهم الإجابات المقنعة فسيلجأ لغيرهم والخطورة عندما يحصل منهم على تفسيرات وإجابات خاطئة أو مموهة قد تؤثر في سلوكياته في المستقبل.
أكثر أسئلة الأطفال تعقيدا تلك الأسئلة التي يجوز لي تسميتها بالأسئلة المفخخة والتي تستوقفنا ونستغربها من الأطفال في هذا السن المبكر, ومرد الاستغراب أننا كثيرا ما نستهين بتفكير صغارنا إلى الحد الذي يجعلنا نتوقعهم أقل ذكاء منا نحن الكبار لذلك قد لا نلقي بالا لملاحظاتهم أو تساؤلاتهم أو تعليقاتهم. نتصور أن الطفل لا يفهم ولا يدرك وليست لديه القدرة على المقارنة وأنه سريع النسيان وقد لا يلاحظ ما يدور حوله لذلك نحاول استغفاله وتسكيته وتمرير المواقف عليه.
هذه تصورات خاطئة فالطفل يملك ذاكرة قوية كورقة بيضاء يكتب فيها العقل كل شيء ويسترد ما يكتب بسهولة وهو إن نسي الموقف في حينه فإنه لا يلبث أن يعيد طرحه في أقرب وقت. هو لا ينسى لكنه يتظاهر بالنسيان إما خوفا من الكبار أو تقديرا لهم أو عقد هدنة قصيرة الأمد. الطفل الذكي قد يعود سريعا ويتحين الفرصة ليفاجئ من معه بأسئلة أكثر سخونة.
الطفل يربط بين أقوالك وأفعالك فإن وجد اختلافاً فربما يوقعك في فخه بسؤال مباغت يجعلك تتصبب عرقاً وتتوارى خجلاً وتبحث عن أقرب مخرج. أحد الآباء كان يتحدث في مجلس عن أخطار السرعة وينصح الحاضرين بالتمهل كان ابنه الصغير يستمع إلى حديثه بكل فخر وبعد أيام كان الابن يركب بجانب والده الذي يقود السيارة بسرعة هائلة تزيد عن المائة وخمسين كيلو مترا باغته ابنه الصغير بسؤال لم يخطر على باله. والدي كيف تنصح الناس بعدم السرعة وأنت لا تطبق ما تنصح به الآخرين؟ ارتبك الوالد ورفع قدمه وخفف سرعته.. لكن بعد فوات الأوان وبعد أن ضبطه الابن متلبساً.
من يملكون الثقافة بالواقع المعاش والتوافق بين القول والسلوك والمصداقية هم فقط من يستطيعون السيطرة على أصعب الأسئلة تفخيخاً.
Shlash2010@hotmail.com