كثيراً ما أُنَادي، مناداة المختصين، بالكِتابةِ الدائمة، وكتابة المذكرات اليومية «تحديداً»، وتدوينها في مفكرة أو دفتر خاص يمكن الرجوع إليه بين لحظة وأخرى؛ لما لمسته من دور الكتابة تلك في تنقية الشوائب النفسية، وتطهير التلبكات الروحية، ومحو التوعكات الجسدية والنزلات أو التقلصات الذهنية؛ وبالتالي تجاوز منغصات الحياة بروح سمت الغبطة
والنشوة بها وارتفعت عن أرض الواقع المتعسّر إلى فضاء السماء الماطرة بعد ارتفاع الأبخرة إليها والتماس معها.
الكتابة الدائمة وكتابة المذكرات اليومية تمنح الفرد مزايا جداً جميلة وفوائد ثرية وهي فرصة للتعبير عن النفس، وفرصة أجمل أن يقرأ مذكراته بعد مُضي فترة من الزمن، وبالتالي تكون المسافة إلى النفس قريبة ليراقبها من خلال المذكرات، أو يرى مسار تطور شخصيته مع الأيام، بل أنها تحسن مهاراته الكتابية، حيث يستطيع الكتابة بعفوية فيجد أن الأمر أصبح وسيصبح ممتعاً بالنسبة له. نضيف إلى ذلك إحساسه وشعوره بأن حياته مهمة تستحق أن تُكْتَب، وتُحاسب محاسبة النفس للنفس والذات للذات قبل أن يأتي من يحاسبه أو قبل المحاسبة الإلهية تأسياً بالرؤية الشرعية من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم). وقد قرأت أنها كانت عادة استفاد منها المسلمون وكانوا يسمونها التعليقات، ولو عدنا لإحياء تلك العادة أحيينا سنة موات؛ أخذنا أجرها وأجر من عمل بها أو سيعمل إلى يوم القيامة.
الكتابة الدائمة وكتابة المذكرات اليومية طريقة كان أحد علماء النفس في الولايات المتحدة الأمريكية يعالج مرضاه، حيث كان يدفعهم لكتابة المذكرات الخاصة بهم والحديث فيها عن مشكلاتهم الحياتية وأزماتهم النفسية والروحية والجسدية معتقداً أن ذلك يساعدهم على تفريغ الطاقة السلبية الداخلية، وتخفيف الضغوط عن النفس. الاعتقاد الذي أظنه صائباً بل هو الصواب ذاته. وقد يرى بعض العلماء أن للشخص حريّة تمزيق ما كتب إذا رأى في بقائه ضرراً عليه، لكني ضد التمزيق؛ ذلك لأنه سيقطع حبل الوصل بينه وبين سالف أيامه والأعوام؛ فالأسلم أن لا يكتب ما يمس أخص الخصوصيات أو المثالب والخطايا التي يصعب تجاوز المجتمع لها والابتعاد عنها وإن تجاوزها «هو» وتعداها وشطبها من حياته وبالتالي يرى العلماء شطبها من سجل مذكراته والدفتر.
علماء النفس التي تشير الكثير من دراساتهم إلى أهمية تدوين المذكرات بصفة يومية لأن ذلك يسهم وبشكل جلي وصورة واضحة في تعويد الإنسان على ممارسة حياته بانتظام وترتيبها وتجعله الكتابة أكثر إدراكاً لنفسه وللمحيطين به. بل إن علماء النفس باتجاهاتهم الحديثة يستخدمون أساليب علاجية من هذا النوع لمرضى الاكتئاب والوسواس القهري والقلق، حيث تعتمد فكرتهم في هذه الكتابة على أن يفرغ المريض ما بداخله من شحنات سالبة من خلال ما يكتب من مذكرات يومية وتكون الاعترافات التي ترد في تلك المذكرات حول بعض السلبيات في حياتهم أول الطريق نحو تصحيح وتعديل السلوك إلى الأفضل.
ويؤكد علم النفس الحديث على أن الكتابة اليومية لا يجب أن تقتصر على المرضى النفسيين وحدهم، بل يجب وينبغي أن يمتد ليشمل الجميع بشرط أن لا يجامل المرء نفسه، ويحدث ذلك بطريقة لا إرادية أو شعورية ليحسن صورته أمام نفسه كنوع من أنواع تحقيق الرضا النفسي. فهم يقترحون «أي علماء النفس» وينصحون بأن يسجل أو يحاول أن يسجل مذكراته بشفافية الأخطاء والهفوات بصورة موضوعية، حتى يتمكن من قراءة ذاته بشكل صحيح وبالتالي يمكنه محاسبة النفس الحساب اليومي والمتواصل.
- إضاءة خافتة:
- جزء من لغتي تماثلت للشقاء، الجزء المتبقي يُكابد الأرق، ألا تراني..!؟ شعرة قضّت مضجع السهر.. وقوضتني.
- القلق: أنامل تنزّ دماً يلعقه الأرق ويغفو، مخدته لسان البركان.
- ما عدت أُنمق عنق الليل -ما عدتُ أخاف صرير الضوء- أغلق شباك مواعيدي- كَسَرَ الليل جدار الضوء.