الرياض- خاص بـ(الجزيرة):
نوه لفيف من المتخصصين والمتخصصات في الفقه وأصوله في جامعات المملكة بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - مؤخراً بإنشاء «المجمع الفقهي السعودي»، مؤكدين أن إنشاء هذا المجمع يدل دلالة واضحة على اهتمام الدولة بالعلم الشرعي وأهله.. كما سيكون له - بإذن الله - دور ريادي في إبراز الفتاوى وتنظيمها وضبطها على الوجه المشروع، مقدمين مجموعة من الآراء والمقترحات حول آلية وتكوين وعضوية هذا المجمع.
منهجية واضحة
فبداية، قال الدكتور فهد بن سعد الجهني أستاذ الدراسات العليا الشرعية بكلية الشريعة بجامعة الطائف والباحث في مجمع الفقه الإسلامي بمكة: إن هذا المشروع العلمي الفقهي مما سرّ به خادم الحرمين أهل العلم وطلابه في هذا البلد الكريم، ويدل دلالة واضحة على اهتمام الدولة بالعلم الشرعي وأهله لعظم أثرهم في الناس ولمكانتهم في المجتمع. وهذا المجمع أرى أنه من المهم وكمدخل صحيح لنجاحه - بإذن الله - أن تُحدّدَ أهدافه ومقاصده ونوع القضايا التي يتناوله والفرق من جهة الاختصاص بينه وبين هيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية الأخرى لاسيما والتي تستقر داخل المملكة.
وشدد فضيلته على أهمية أن يكون هناك منهجية واضحة ومعايير مُنصفة وعلمية في اختيار الأشخاص والكوادر المؤهلة للمشاركة في هذا المجمع، مقترحاً توسيع دائرة المشاركة من حيث عدد الأشخاص ليشمل أكبر قدر ممكن من الطاقات العلمية المنتشرة في جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية، ولتشمل مناطق المملكة المختلفة، واستكتاب عدد من المهتمين ومن المشاركين في هذا النوع من العمل العلمي، وإشراك ذوي الخبرة في مرحلة التأسيس أي جهاز أمناء مجامع الفقه الإسلامي، أو على الأقل الاستئناس بآرائهم وترشيحاتهم.
تفرغ الأعضاء
ويقول الدكتور فهد عبدالله العُمري الأستاذ المشارك بقسم الفقه في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم: لقد هيأ الله - عز وجل - لهذه البلاد المباركة دولة حكيمة تقود الناس بالحكمة والمشورة, وتحكم شرع الله - عز وجل - في شؤونها، ومما يدل على ذلك أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - يحفظه الله - بإنشاء المجمع الفقهي السعودي الذي يدل على اهتمام الدولة بالعلم الشرعي وأهله لعظم أثرهم في الناس. وعلو شأنهم.
ولاشك أن هذا المشروع الحيوي له أهمية كبيرة في صياغة الأحكام والقرارات الشرعية لكل ما يستجد من قضايا فقهية معاصرة مبنية على الكتاب والسنة اللذين هما أساس الحكم في هذه الدولة المباركة كما أن هذا المجمع الفقهي- بمشيئة الله تعالى - سيكون إشعاعاً علمياً وفكرياً للعالم الإسلامي، وسيكون عوناً و رافداً لهيئة كبار العلماء في بحث الكثير من المسائل المستجدة.
واقترح د. العُمري أن يكون هناك منهج واضح منصف في اختيار أعضاء هذا المجمع من الكوادر العلمية المؤهلة، وأن يعين للمجمع أعضاء متفرغون في المركز الرئيسي مع وجود أعضاء مشاركين في بقية المناطق غير متفرغين وذلك للاستشارات وإعداد الدراسات والبحوث الفقهية التي يعرضها المجمع، مع الاستعانة بذوي الخبرة من المجامع الفقهية القائمة للاستفادة من توجيهاتهم في مرحلة التأسيس.
مركز استقطاب
أما الدكتور خالد بن عبد الله المزيني الأستاذ المساعد للدراسات الإسلامية والعربية بكلية الدراسات المساندة والتطبيقية بجامعة الظهران فقال: الإعلان عن تشكيل مجمع فقهي سعودي يلقي العبء على ثلاث جهات: أولها اللجنة المعنية بإعداد دراسة بشأن المجمع، وثانيها: هيئة كبار العلماء بوصفها مشرفاً على أعمال المجمع، وثالثها: وزارة المالية باعتبار اختصاصها بتمويل هذه المؤسسة الناشئة. وهذه المسؤوليات المتوازية إذا ما أخذت حظها من العناية البالغة فسيكون لهذه المؤسسة دور ريادي في بناء فقه عصري قادر على حل كثير من المشكلات التشريعية سواء في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي أو الطبي، وإيجاد مركز لاستقطاب الحلول والأفكار والأطروحات الواقعية المستنيرة بنور الشريعة والفقه، وتعزيز موقع المملكة على خارطة الأفكار والتشريعات.
وأضاف قائلاً: إن قيام مجمع فقهي يتمتع بدعم معرفي وإسناد مالي يساعدانه على القيام بدوره المنشود سوف يعمل على ردم الفجوات التشريعية بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، وسوف يقوم بتنشيط البحث الفقهي المنهجي، ويسهم في حوكمة أعمال الفتوى، ويطعم الحركة العلمية المحلية بالفيتامينات اللازمة للوصول إلى حالة الصحة المعرفية، وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف نتوقع أن يفيد المجمع من تجارب المؤسسات الحديثة النظيرة، وبالأخص المؤسسات العلمية والبحثية العالمية.
وأكد الدكتور خالد المزيني أهمية أن يتوازى ذلك مع وضع اللبنات الأولى للمجمع بوضع خطة لتطوير الوضع الفقهي لعقدين قادمين، فترسم الغايات والأهداف، ثم تصمم البرامج المناسبة لتحقيقها، ومن ذلك أن يقوم المجمع بتوسيع قادة المشاركة في دوراته ومناسباته ليستوعب أكبر قدر ممكن من العلماء وطلبة العلم والباحثين والخبراء والفنيين من الجنسين، وأن يعمل على تنظيم ندوات وحلقات نقاش ودورات متخصصة في فنون الفقاهة المعاصرة وأسس الإفتاء العام والخاص، وكيفية التعامل مع المستفتين والسائلين، يجتمع فيها أهل العلم والخبرة، ويتبادلون فيها الرأي ويخلصون من خلالها إلى قواعد سلوك ومبادئ عامة يستهدي بها المشتغلون في المجال الفقهي والإفتائي، وتكون مواد يتلقاها طلاب وطالبات الدراسات الشرعية.
ورأى أن من الدروس المهمة المستفادة من مسيرة المجامع الفقهية أن على هذه المؤسسات الفقهية الشرعية أن تبادر بالتواصل مع الإعلاميين والنخب العلمية المحلية، وتعقد شراكات مع المؤسسات الإعلامية مما يجسر الفجوة ويقلل هامش التجاوزات التي تقع أحياناً بسبب ضعف التواصل، بحيث يتبلور لنا ميثاق شرف فقهي إعلامي، يسهم في ردم الفجوة من جانبها النظري والعملي، ويميز للجميع الفرق بين الرأي الناقد والرأي الهادم.
إن المملكة العربية السعودية لها مكانتها التي تستمدها من كونها عمقاً إسلامياً ومرجعاً شرعياً ومحضناً للحرمين الشريفين وموئلاً للحجاج والمعتمرين، وللفقه دوره الكبير في تعزيز الصورة الذهنية عن هذه الريادية، ولفقهاء المملكة أثرهم المشهود في إبراز موقعها على خارطة التفكير التشريعي والثقافي، وكثير من الدول تسابق اليوم في إبراز مرجعياتها ورموزها لما لهم من أثر في المنافسة على الصدارة الفكرية والحضارية.
التصدي للفتاوى الشاذة
وفي ذات الشأن، عبرت الدكتورة إبتسام بنت عبد المحسن الجريسي أستاذة الفقه المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض عن سعادتها وسرورها بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - بإنشاء (المجمع الفقهي السعودي)، مؤكدة أن ما تضمنه الأمر الكريم حول أهداف هذا المجمع يجد أنها صيغت بعناية فائقة حيث إن كل عبارة فيها مقصودة من حيث الضوابط والمنهجية والهدف.. كما أن توقيت إصدار هذا القرار كان موفقاً حيث ظهر في الآونة الأخيرة العديد من الفتاوى الشاذة، والكثير من الاختلاف في الفتوى, وتصدى للفتوى في كثير من القنوات الفضائية من ليس مؤهلاً لها؛ فكان الواقع يحتم وحدة الصف تجاه هذا الاضطراب, ووحدة الأمة وجمع كلمتها، وتوحيد مرجعية الفتوى.
وأشارت إلى أن للمجمعين الفقهيين الذين يتبع أحدهما للمؤتمر الإسلامي والآخر لرابطة العالم الإسلامي دوراً بارزاً في ذلك، لكن الغاية من إنشاء المجمع الفقهي السعودي كما هي واضحة من نص البيان زائدة على أهدافهما إذا يعد محضناً للكوادر المتميزة وتدريبهم وإعدادهم ليكونوا علماء الأمة وموضع الثقة تحت إشراف جهة راسخة في العلم والمنهج في ظل الكتاب والسنة، وسيكون ملتقى للخبراء في كافة العلوم للاستفادة منهم في طرح كل ما يستجد في الحياة ويستوجب الفتوى، كما أنه سيدعم الكفاءات في الوظائف الشرعية الكبرى، إلى غير ذلك من الثمار التي ستقطف من هذا التجمع العلمي الشرعي بإذن الله.
وقالت: ولعل من أبرز ما ينبغي العناية به: الدقة في اختيار الكوادر من طلبة العلم والباحثين والاستفادة من الخبراء في إعداد الدورات العلمية والتأهيلية وورش العمل والدورات لهم، ووضع قاعدة بيانات تخدم الباحث وتسهل عليه عملية البحث، وحصر الوظائف الشرعية الحساسة التي يكون لهذه الكوادر الأولوية في تولي زمامها, والتعاون مع الجامعات في ترشيح المتميزين من طلبة العلم الشرعي، وإنشاء وحدات للبحث تستقطب أعضاء هيئة التدريس لمناقشة بحوثهم العلمية التي تخدم قضايا العصر, إضافة إلى ضرورة تفعيل الدور النسائي في هذا الجانب فإن المجتمع النسائي لا يقل حاجة في ظهور الكثير من المسائل التي تستوجب الفتوى المؤصلة والتي قد لا يستطيع المفتي تصورها ومن ثم الحكم الصائب فيها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره وهناك الكثير من المسائل المتعلقة بالنساء التي ورد الاختلاف فيها لاختلاف تصور المفتين لها, إضافة إلى أن كثير من النساء يتحرجن عند السؤال في بعض المسائل.. ولا يخف على ذي علم أن من العلماء من أخذ العلم على فقيهات, وأن النساء كن يفتين كأم سلمة وأم عطية وميمونة بنت الحارث رضي الله عنهن، وكثير من التابعيات، ولكن هذا الأمر لابد أن يكون وفق ضوابط شرعية وعلمية بعد تزكيتهن.
تنظيم وضبط
ومن جانبها أبرزت الدكتورة مزنة بنت مزعل العيد أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن أهمية المجامع الفقهية لما تقوم به من دور ريادي في إبراز الفتاوى وتنظيمها وضبطها على الوجه المشروع، واصفة أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء المجمع الفقهي بأنه حدث عظيم في تاريخ الفقه الإسلامي والأمة الإسلامية عموما، إذ جاء في وقت استصغر فيه شأن الفتوى وتلاطمت فيه الفتاوى بين شاذ وصحيح، وأصبح من الضروري جدا تنظيمها وإصدارها من جهة معلومة وبذا سينقل الفتاوى والاجتهادات الشرعية من كونها فردية قاصرة على بعض العلماء بعينهم إلى اجتهادات جماعية اشتدت حاجة المجتمعات في وقتنا المعاصر إليها مما سيكون له أثره في توحيد الجهود في مجال الفتوى، كما أن المجمع الفقهي سيخفف العبء على هيئة كبار العلماء الذين مافتئوا يجتهدون لاستنباط الأحكام الفقهية ومعالجة تزاحم الفتوى.
وأضافت تقول: سيكون لهذا المجمع - بإذن الله - دور بارز في مجال البحوث العلمية المتعلقة بالأحكام الفقهية، كما سيتيح الفرصة للاستفادة من خبرات العلماء الموسومين بالعلم الشرعي ليتولوا مناصب شرعية عليا في الدولة ويكون لهم دور في إبراز خبراتهم العلمية والشرعية وسيسهم بشكل كبير في تقديم كوادر علمية تساعد في توفير البنية التحتية التي يحتاجها المجتمع من العلماء وطلبة العلم.
صياغة الأحكام
أما الدكتورة ناهدة عطا الله الشمروخ أستاذ الفقه المساعد في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن فبدأت حديثها عن المجمع قائلة: الحمد لله أن هيأ لهذه البلاد المباركة ولاة أمر يحكمون بشريعة الله - عز وجل -، ويقودونها بالحكمة والمشورة، ولقد أثمر كل ذلك سابقاً ولاحقاً، تلك القرارات المباركة الحكيمة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - مؤخراً، والتي منها أمره الكريم بإنشاء المجمع الفقهي السعودي.. لقد أسعد هذا الأمر حقيقة كافة فئات الشعب وخاصة المهتمين بعلوم الشريعة من العلماء وطلبة العلم، بل هو يسعد كل مسلم في جميع البلاد الإسلامية وغيرها، وذلك لما يُعرف من أهمية مثل تلك المجامع الفقهية حيث تتلاقح أفكار العلماء من شتى المذاهب الفقهية فتتوحد لصياغة الأحكام والقرارات لكل ما يستجد من قضايانا المعاصرة من خلال الاجتهاد الأصيل الفاعل.
وانتهت إلى القول: إن هذا المجمع سيكون - بحول الله - رافداً آخر من روافد العلم وسيسهم في معاضدة هيئة كبار العلماء واللجنة العلمية الدائمة للإفتاء لإصدار الأحكام والفتاوى في كثير من القضايا المعاصرة التي تستجد في كل حين، ولتسترجع الأمة الإسلامية دورها الرائد والحضاري كما كانت عبر تاريخنا المضيء.