Sunday  03/04/2011/2011 Issue 14066

الأحد 29 ربيع الثاني 1432  العدد  14066

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

العملاء.. مشاريع عزاء ومراثي وحزن، لا قصائدهم قصائد، ولا خطبهم هي الخطب، ولا عادوا قادرين على امتطاء المهرة والحصان، سلالهم غير مملؤة بالخبز والغلة، شفاههم لا يعطرها الكلام الجديد، وأفواههم لا يملؤها العسل الأصيل،

لا هم أحياء مثل الأحياء، ولا هم أموات مثل الأموات، ظلالهم غير الظلال، لا عشبهم عشب، ولا نداهم ندى، ولا نهارهم هو النهار، هم محض غبار، ومحض كلام، ومحض هراء، ومحض ضياع، ومحض انكسار، هم قيثارة مستباحة فوق الأرض، وصوت صدى بالكاد يسمع، وأبواب مشرعة للموت، يجلسون قرب مواجعهم، يتأملون محطات قطارهم المهجور، مسافرون بلا أمتعة، يودعون أنفسهم، يمسحون دموعهم بمناديل الأسى، هم وحيدون، وحيدون هم، في الأرض وحيدون، في الفضاء وحيدون، تحت الأرض وحيدون، الحكايات تخدعهم، والمساءات تخدعهم، وأصدقاؤهم الملونون يخدعونهم، أحلامهم استرخت في قطاراتهم المغادرة، أحلامهم فارزه، مثل فاصلة، عبورهم باتجاه الحيرة والظماء، يترنحون فيما يرون ولا يرون، يتكئون على جمر الفوضى، يتكسرون على جليد الماء، لا رغباتهم في خانة الرغبات، ولا حساباتهم في خانة الحساب، لا وردة بين يديهم، ولا شذى عطر، بل الشوك والحنظل، والملح والطين، في ارتجاعاتهم تسكن اللوعة، قلوبهم يسكنها البكاء، مثل ظلمة تقود قطيع ظلمة، في الظلمة يركضون، في الظلمة يجلسون، في الظلمة يتجاذبون أطراف الحديث واجترار الحكايا، تكومهم بلا معنى، مثل قطع جليد صغير، أيتام بلا ظل، ليس لهم فنون اشتعال، ولا ماء دهشة، ولا يعرفون كيف يطلون من النوافذ المضيئة حين يعبر الليل جسد مدائنهم، لا القرنفل ينبت على أفواههم، ولا النرجس يمنحهم خاصية الاشتهاء، ولا الياسمين يتوق لملامسة خدودهم حين يجيء الصباح، لا يعرفون فسيفساء المطر، ولا حدائق العطر، ولا صوت الانتشاء، لا هم معجونين من تبر ونقاء، ولا يعرفون نوع الغناء، ونوع الحداء، ونوع مراثي الخنساء، أو قرع الطبول حين يجيء الإباء، لا هم شهيق عشق، ولا استراحة هناء، إنهم شتاء حين يحط الشتاء، العملاء..

حالة مرضية تحولت إلى وباء ليس له شفاء، يواجهون دائما الصقيع والوجع والفجيعة والمطر الثقيل والفناء، أحزانهم أحزان، مآتمهم تلو المآتم، دماؤهم تلو الدماء، وجنازاتهم تلو الجنازات، العملاء..

يسيرون في الأرض تيها، حشودهم هائلة، لكنها غير حادة، بل متفاوتة وغائبة وهائمة، رؤوسهم تتمايل، أكتافهم تهتز، أنفاسهم متقطعة، وصدورهم معبأة بهواء غير مؤكسد وغير نظيف، وحتى أحلامهم موغلة بالضباب وبالرماد، ليس لهم مشروع حي متطور، عطشى هم دائما، يرحلون من حزن إلى حزن، ومن وجع إلى وجع، ومن حماقة إلى حماقة، الفرح في قلوبهم محدود، ثمة أفراح عندهم لكنها قليلة وضئيلة ورديئة، سائرون في الطرف القصي، يجلدون أنفسهم بالازدراء، ويعذبون أرواحهم بالبهتان، لهم سيكيولجية خاصة، وكآبة خاصة، ومزاج خاص، ولغة كلام خاص، إنهم مثل حصان مريض يجلد بصوت حارق، لهم جلجلة أصوات، لكن ليس لهم سنابل قمح، ولا مورد ماء، نظراتهم ذابلة، وعيون زائغة، لا هديل ليمامهم، فرشهم لهب، ونومهم ثقيل، أصواتهم مبحوحة، ونمارقهم غير مصفوفة، وأحلامهم غير مشروعة، العملاء.. يشبهون الغربان في التحليق، وفي الهبوط، وفي الصوت، وفي اللون، وفي نوعية الطعام، إنهم جرار فارغة مطمورة تحت الأرض بلا كنز، لهم لثغة، وليس لهم بصر ولا بصيرة، ولا تطلع جميل، العملاء..

انتهازيون لهم أعمال مشينة، ومواقف متبدلة، ومديات فهم قاصر، ومهما يكن من أمر فإن العملاء متباينين في الوعي والثقافة والمخيلة والإدراك، وهم في نهاية الأمر عملية خرافية تنمو وتعشش في عقولهم الباطنة دون علم ودون تميز مع معاناة نفسية بأحلامهم الوردية التي لا يملكون معها إلا الهروب من واقعهم الذليل إلى ما يبدعه خيالهم غير الخصب، العملاء..

أرواح شريرة الجن تحرسها وتسيطر عليها.

ramadanalanezi@hotmail.com
 

العملاء.. مشاريع عزاء!
رمضان جريدي العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة