لا أحسب أن أحداً منكم يُخالفني الرأي في ما آلت إليه اللغة العربية من وهن وإعياء.. بعد أن تنكَّر لها أهلها.. وأبدلوها بما يُسمى بالأعجمية، فضعفت بعد قوة.. وذلت بعد عزة.. فظني بكم أيها القراء الفضلاء أنكم تحزنون لِما أحزن.. وتتألمون مما أتألم.. يا من درجتم على هذه الأرض المباركة.. وورثتم اللغة عن أسلافكم جيلاً بعد جيل.
أيعقل أن تكون اللغة العربية.. وهي لغة القرآن مبعثاً للاستهزاء والازدراء.. فيتصنَّع الحديث بها من لا يحسنها حتى تكون الغاية هي إضحاك الجماهير وإمتاع السامعين، بل أهذه هي اللغة التي أقام لها الأقدمون الأسواق.. وعُقدت في محافلهم وأنديتهم الندوات، ليت شعري! أين هذا الجيل من المعلقات.. أو المقامات؟ أوَ لسنا عرباً كما هم عرب.. أوَ لسنا ورثنا اللغة عنهم كما ورثوها هم عن أسلافهم.. فلماذا لا نضرب لنا فيها بنصيب؟فنخلع على المسمى الواحد أسماء شتّى.. ونصف المنظر الواحد بأوصاف عدة، ألا تراهم يخلعون على الأسد والظباء وكذا الإبل..... وغيرها أسماءً ونعوتاً لا تعدها أصابع اليدين مجتمعة! وأَقبلوا على الصحراء المقفرة.. فيخيّل للرائي والسامع بعد وصفهم لها كأنها رياض غنّاء.. وربوع خضراء.. أوَ لسنا أحق منهم في أن نبرع في الوصف.. ونستطرد في المعاني بعد أن جادت علينا الطبيعة فتحوَّلت المقفرات إلى واحات خضراء.. وأضحت الصحارى الموحشة إلى مدائن فاخرة عامرة.
دخلت مرة على أبنائي.. فسمعتهم يتحدثون بالفصحى.. وهم لاهون في لعبهم بين الدمى.. وتلك المكعبات التي يبني بها الأطفال بيوتهم.. فنزلت بساحتهم ورحت أقلِّب الألعاب معهم وأبادلهم الحديث.. فاندهشت من أنهم يرفعون في حديثهم.. ولا يعرفون قواعد الرفع.. وينصبون.. ولا يعرفون قواعد النصب.. ويُشبِّهون ولا يعرفون أركان التشبيه.. ويحذفون ويثبتون ويقدمون ويؤخرون ويأتون بنظمٍ.. وكأنهم درسوا علم البديع.. «وهم بالكاد ينطقون».. وأضحى الأبناء يتكلمون بمثل هذا وبغيره في غدواتهم وروحاتهم وجدهم وهزلهم.
فسألت عن هذا.. فأنبئت بأنهم عاكفون على مشاهدة الرسوم المتحركة «الأفلام الكرتونية».. فأطرقت ملياً.. ثم قلت: أوَ ليس أولى بسماع تلك القنوات هؤلاء الذين يشتغلون باللغةِ عبر الإذاعات والفضائيات.. ولا يحسنون من اللغةِ العربية إلا القليل النادر.
رضا فاروق الحمزاوي
Re_da2002@yahoo.com