كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الانحراف الفكري ولاسيما لدى الشباب، لأنهم إما لبنة بناء أو معول هدم، لذا كان لابد لجميع أبناء وبنات المجتمع الواحد من المعرفة الحقة لمفهوم الانحراف الفكري، لكي يسلموا من شروره، حيث إن الجميع عرضة للوقوع والإيقاع في هاويته دون أن يشعروا بذلك.
فالمفهوم الشامل المبسط الموجز للانحراف الفكري هو ذلك الانحراف عن قواعد ما أجمع عليه المسلمون الوسطيون الذين يستقون علمهم ورأيهم من كتاب الله ثم من سنة نبيه، ثم من إجماع العلماء الثقات عبر العصور الإسلامية، وأي انحراف قوي سافر عن هذا المفهوم في القول أو الفعل أو الكتابة، سواء كان انحرافاً إرهابياً أو تأثراً بأفكار أعداء الأمة والملة أياً كانوا، فينعكس بالعداء نحو الوطن والدين والمصالح التابعة لهما، فهو انحراف فكري خطير عن الإجماع السوي.
وتتمثل خطورة الانحراف الفكري في أنه الطريق المعبد إلى السلوكيات التي سيسلكها الشخص المتأثر بها، فسلوكه هو الذي سينفذ أفكاره الراسخة، لذا يبرز خطر الانحراف الفكري لدى الشباب بالذات، لأنه من أبرز التحديات التي تواجه أمننا الاجتماعي، فالفكر المنحرف يتسم بالاستبدادية، وقلب المفاهيم وتشويه الحقائق، إما لأنها تحقق له أو لغيره مصلحة مباشرة أو غير مباشرة، بل ويقدم في سبيلها أدلة غير مقنعة وغير متطابقة مع الواقع العملي السليم.
ومن الواضح أن أهم أسباب الانحراف الفكري هو التطرف الآخر، سواء كان تطرفاً دينياً أو فكرياً أو طائفياً، لأنه يولد تطرفاً مضاداً حتى ممن كانوا يُحسبون من فئة الاعتدال، حيث يجعلهم متحمسين لرد الضيم عن معتقدهم أو موطنهم أو مذهبهم أو قومهم، وهذا يجرنا إلى سبب آخر من أسباب الانحراف الفكري وهو التناقض بين الأقوال والأفعال الذي يراه الشباب من أعداء الإسلام المتعددين، حيث يسمعونهم يطالبون الآخرين بأخلاقيات وسلوكيات تنظيرية ادعائية، بيْد أنهم يناقضونها بأفعال مضادة، مما ينعكس سلباً على مصداقيتهم، ويثير الضغائن ضدهم.
كما أن من أسباب الانحراف الفكري الخطيرة خطورة متفاقمة لم تجد لها حلاً حتى الآن، قنبلة البطالة التي نسأل الله تعالى أن يقينا دويها الذي يحدث في أماكن متعددة من العالم العربي والإسلامي بين الفينة والأخرى، والسعيد من وُعظ بغيره والتعيس من وُعظ بنفسه، لأن البطالة تولد طول الفراغ، ومعلوم أن اليد الفارغة أداة في يد الشيطان، حيث يولد الفراغ بدوره الإحباط والإحساس المر بغياب العدالة الاجتماعية والوطنية، فتتولد الأحقاد المحتقنة التي تسري في الجسد والفكر والروح معا سريان النار في الهشيم.
أما ما يستنتجه البعض من أسباب للانحراف الفكري عند شبابنا، فإن بعضها ليست واقعية ولا مقنعة، مثل نسبة الإرهاب إلى مناهجنا الدينية، فقد ثبت بالحجة والدليل أنها نسبة باطلة وظالمة في آن واحد، وأكبر برهان على ذلك ما صدر من رواد مسؤولي الأمن في وزارة الداخلية التي هي من أدرى وأحرص المواقع الرسمية والشعبية في وطننا، حيث أكد مدير عام إدارة الأمن الفكري في وزارة الداخلية د. عبدالرحمن الهدلق بأنه ثبت أن لا علاقة لمناهجنا بالإرهاب أو الانحراف الفكري، بل إنها تعزز الأمن الفكري، مضيفا بأن الحرية الدينية في المناهج أثناء العقود السابقة كانت أكبر من الآن ومع ذلك لم تظهر أي بوادر للانحراف أو الإرهاب، والدليل القوي على ذلك أن من ظهرت عليهم مؤخراً سمات الانحراف الفكري هم من الشباب الصغار الذين لم يتموا تعليمهم.
في واقع الأمر يجب أن يأخذ موضوع انحراف الشباب حقه من الاهتمام الجماعي والدراسة الواقعية والحلول العملية بالتعاون الفعلي بين جميع المؤسسات الحكومية والأهلية والاجتماعية والأسرية، وبحوث الجامعات المدعمة بالدراسات الميدانية الموضوعية الموثقة المرفقة بالحلول والاقتراحات الناجعة، قبل تفاقم هذا الوضع الحرج أكثر من ذلك.