لا أدري عزيزي القارئ إذا استشعرت يوماً قيمة الأرقام المتزايدة من حولك، وشعرت يوماً بالاختناق من كميتها المتضخمة يوماً بعد يوم، فنحن أصبحنا محاطين ومحاصرين بها من كل جانب،أرقام الساعة والمنازل والهواتف والحسابات البنكية، إن شعرت ببرودة ستسعى بفضول لمعرفة (الرقم) الذي يمثل هذه الدرجة من البرودة أو الحرارة.
أنت أيضاً تعتبر رقماً بين هذا الكم الهائل من البشر في هذا الكوكب، يُعرف عليك أحياناً في العمل أو في الجامعة أو حتى في أي دائرة حكومية برقم، بعض الناس لا يحكم على الآخرين إلا بأرقام أرصدتهم، حين لا يعنيه الكيف ويغريه الكم.. حياتنا وأعمارنا لا تحسب سوى بالأرقام.
على الرغم من أنها مجرد أرقام باردة وخاوية إلا أنها أصبحت تشكل الحياة من حولنا, أن تكون في السابعة مثلاً ليس مثل أن تكون في الثامنة عشرة، كما أن الخمسين تختلف جذرياً عن هذا وذاك.
وأن يكون لديك طفلان يختلف كلياً حين يكون لديك ثمانية أطفال، وأن تكوني زوجة أولى ليس مثل أن تكوني زوجة ثانية أو ثالثة.
كما أن الرقم واحد أحياناً ليس قريباً من الرقم اثنين كما يبدو، فالكل يتفق على سحر وبريق الرقم واحد، فهو الرقم الصعب الغالي، الذي تتوارى أمامه باقي الأرقام فحين تتبوأ المرتبة الأولى في أي مجال نظيف ذلك يعتبر إنجازاً مشرفاً، فالناس عادة لا يتذكرون سوى المرتبة الأولى أما المراتب التالية فتنسى غالباً، ولكن ورغم هذا الزخم والسحر الذي يحيط بهذا الرقم، إلا أنه قد لا يمثل شيئاً أحياناً بل إنه قد يمثل الوحدة والعزلة والحزن، فأن تحيا واحداً وحيداً في هذه الحياة أمر بغاية الألم والممل أما حين تضيف شخصاً آخر وتكون المحصلة الحسابية: (اثنين) حينها ستبدو الصورة أجمل وأشهى، وتصبح الحياة أكثر متعة ودفئا.
في هذا العالم هناك أرقام حظيت بشهرة ومجد لم تحظَ به أرقام أخرى كالرقم 7 مثلاً يعتبر الرقم المعجزة الذي تبهت قيمة الأرقام الأخرى أمام قدرته على الإدهاش, فمثلاً عدد السماوات والأرض سبعة، وعدد المحيطات والقارات سبعة، كما أنه عدد مرات الطواف والسعي والسنابل التي ذكرت في القرآن الكريم، عدد أيام الأسبوع وألوان الطيف والسلم الموسيقي وعجائب الدنيا أيضاً سبعة وغيرها الكثير الذي يجعلنا نشك بعشوائية الموضوع.
أما الرقم 13 فله حكاية أخرى فهو الرقم الذي يتشاءم منه الغرب وخصوصا الأمريكيين فهو من يخاف منه الكثيرون حتى أصبح هذا الخوف رهاب اجتماعي طال المؤسسات والفنادق ففي كثير من الفنادق في الولايات المتحدة لن تجد الدور رقم 13 ولا حتى غرفة بهذا الرقم، بل إن البعض يتشاءم من الجلوس في طاولة بها 13 شخصا، ويقول البعض محاولاً تأكيد مزاعمه أن مركبة الفضاء أبولو 13 مثلاً كانت خير مثال على لعنة هذا الرقم، فرحلة أبولو 11 و12 نجحت بكفاءة واقتدار وعادت إلى الأرض لتثبت أن حدود الإنسان لم تعد السماء فهم وضعوا أرجلهم على القمر وسط أنظار العالم أجمع، أما أبولو 13 فلم تصل القمر بل كان وصولها إلى الأرض بسلام معجزة حقيقة بسبب المشاكل المفاجئة التي واجهت المركبة الفضائية وسط سخرية الكثيرين الذين عززت فيهم هذه الحادثة الخوف والتشاؤم من هذا الرقم!.
عالم الأرقام عالم مثير وذو أبعاد متعددة يسوده أحياناً شيء من الغموض، ولكل واحد منا علاقته الخاصة بالأرقام وقيمتها المثمنة لديه، فهي قد ترتبط لدى متابع سياسي عربي ستيني بالرقم 73 و67 ولخاسر في سوق الأسهم رقم رصيده الذي دلف به عالم الأسهم, ولدى عاشق برقم هاتف حبيبته، قد تمثل لأم محبة عدد أبنائها لا أكثر..
أخيراً.. تحت وطأة هذا الضغط والتضخم لهذا العالم حولنا أصبح ضرورياً أن نتعلم كيف نتكيف مع سطوة هذه الأرقام علينا وسيطرتها المتزايدة على حياتنا يوما بعد يوم ونتعلم كيف نعيش معها ونسخرها لنا لا علينا وإلى اللقاء.