من المحزن أن تجد نفسك يوماً ما، ومن دون مقدّمات، ضحية خطأ لست مسؤولاً عنه، ومن المفجع أن يكون ثمنه حياتك! وتبلغ الفاجعة مداها حينما تهوي من غير سابق إنذار في عمق الأرض، لمصير مجهول، وأنت تدرك أن جميع من كانوا حولك عاجزون عن مساعدتك! إنه وضع لا يمكن، حتى لأفلام الرعب، تجسيده أو تمثيل أهواله!
خلال العقود الماضية نما معدل حفر الآبار الارتوازية في المملكة بشكل كبير، نظراً لوجود احتياج فعلي للمياه الجوفية. وحيث إن كلّ تطوّر في جانب ما، يصاحبه في الغالب مخاطر وسلبيات في جانب آخر، فقد واكبت اللوائح والتشريعات الصادرة من مختلف الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، وزارة المياه والكهرباء ووزارة الزراعة وكذلك البلديات والدفاع المدني، هذا التغيّر من خلال تطبيق اللوائح والأنظمة التي تكفل سلامة الإنسان والبيئة التي يعيش فيها. غير أن توفّر الإمكانيات المادية والتقنية شجّع الكثير من المواطنين لحفر الآبار الارتوازية دون الحصول على التراخيص اللازمة، أو تأمين متطلبات السلامة حولها، الأمر الذي جعل منها حفر غادرة تفترس، من حين لآخر، ضحية جديدة.
إن إهمال دفن الآبار الارتوازية المهجورة له عواقب وخيمة على حياة الناس وأمنهم وعلى السلامة البيئية، فمن منّا بعد وقوع حوادث السقوط في هذه الآبار يستطيع أن يتجوّل بحريّة في أي منطقة مفتوحة دون أن يساوره القلق من احتمال وجود بئر ارتوازية هنا أو هناك؟!! لقد أصبحت هذه الآبار بمثابة حقول ألغام تنتشر حولنا وتهدد حياتنا!..
من جانب آخر، نجد أن عناصر الإرهاب قد تستغل وجود هذه الآبار لإخفاء أسلحتها وتجهيزاتها في أكثر من موقع في أنحاء المملكة، وبذلك تشكّل الآبار الارتوازية المهجورة تهديداً أمنياً عوضاً عن احتمال استغلال هذه الآبار لإخفاء جرائم القتل، وهذا ما يدفع بمحققي الدفاع المدني لافتراض وجود قصد جنائي في قضايا الآبار الارتوازية إلى أن يثبت العكس. يضاف إلى ما سبق، خطورة إهمال الآبار الارتوازية على البيئة، حيث تشكل منفذاً إلى المياه الجوفية ومن ثمّ إمكانية تلوّثها بأي مخلفات صناعية، وهذا كلّه يستوجب عملاً جاداً لمعالجتها.
إن حوادث السقوط في الآبار الارتوازية تعكس أقصى درجات الإهمال والاستهتار بأرواح البشر، وهو أمر لا يمكن معالجته بالتوعية وحدها، ولا بسنّ العقوبات فحسب، بل بالتطبيق الصارم لهذه العقوبات، وبالتعاون الفعّال بين كافة الجهات الحكومية والأهلية وكذلك المواطنين لتتحوّل عملية معالجة وضع الآبار الارتوازية إلى مشروع وطني يشارك فيه الجميع.