أثارت قضية تغيير اسم مدرسة حاتم الطائي بحجة جاهليته قدراً كبيراً من الغضب الشعبي على كافة المستويات، واعتبرها كثيرون، ومنهم عدد من طلبة العلم الشرعي، ضرباً من ضروب التزمّت والتنطع ومحاولة بتر وإلغاء التاريخ والتنصل منه لأسباب محض أيديولوجية، وهي بلا شك كذلك.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فبودي أن نعيد التفكير في مسميات كثير من مدارسنا، ولا نقصرها على التاريخ البعيد فحسب، وإنما يجب أن نوظف هذه الصروح العلمية، سواء مدارس الذكور أو الإناث، لتحمل أسماء من شاركوا في بناء الدولة في طورها الحديث. هذه الأسماء أجدُ أنه سيلفها النسيان إذا لم نلتفت إليها، رغم أن عطاءهم التنموي بمعناه الواسع كان كبيراً، ولا يتعالى عليه أو يتجاوزه إلا مكابر أو صاحب غرض. هناك رجال أبلوا في بناء هذه البلاد بلاء حسناً، وكان لمساهمتهم عظيم الأثر في تحقيق ما وصلنا إليه؛ وأجد أن من حقوقهم علينا أن تحمل أسماءهم هذه المدارس، بدلاً من قصرها على الأرقام كما هو العمل في مدارس البنات، أو على التاريخ العربي القديم كما هي أسماء مدارس الذكور.
وطننا المعاصر شارك في بنائه من يجب أن نُخلد أسماءهم بأحرف من نور، ونعترف بفضلهم في مسيرة البناء. وفي رأيي أن يشمل هذا التكريم كافة المجالات، ولا نقصرها على مجال واحد؛ كمن خدموا هذا الوطن في المجالات الأدبية والإدارية والعسكرية، والتعليمية، والإعلامية والرياضية أيضاً. فمثل هؤلاء، كلٌ في مجاله، لهم أياد بيضاء في تحقيق أهداف التنمية، وانتشال هذه البلاد من التخلف والظلام إلى آفاق التحضر والمدنية، فلماذا لا نخلد أسماءهم بإطلاق أسمائهم على مدارسنا؟
كما يجب ألا ننسى ونحن نتحدث عمن أسهموا في بناء هذا الكيان العظيم، رجال الأمن، وكذلك رجال الجيش الأبطال، الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل أمن الوطن، وحماية حدوده، وحاربوا الجريمة، وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وانتقلوا إلى رحمة ربهم (شهداء) وهم يؤدون أعمالهم بكل إخلاص وتفانٍ وأمانة؛ فلماذا لا نكرم - أيضاً - هؤلاء بإطلاق أسمائهم على هذه المدارس؛ وهذا أقل ما يجب أن نقدمه لهؤلاء الأبطال من قيمة معنوية، وهم بلا شك أهلٌ لهذا التكريم؛ فليس أغلى على الإنسان من روحه التي بذلها في سبيل وطنه، وحمايته من كيد وتخريب هؤلاء المفسدين؛ سواء كانوا من الإرهابيين المتأسلمين أو المتسللين أو تجار المخدرات والمهربين؛ فجميع هؤلاء في النتيجة سواء؛ جميعهم أعداء للوطن، ومن ساهم في حربهم، واستئصالهم، هو بلا شك من أبطال الوطن. وفي تقديري أننا مازلنا مقصرين في الوفاء بحقوق هؤلاء الشهداء الأبطال، أعني شهداء الواجب، وأجدها مُناسبة لتخليد أسماء من عطرت دماؤهم الزكية تراب الوطن.
أن ربط الأجيال الحاضرة والمستقبلية بهؤلاء الرموز، بل وبهؤلاء البناة العظماء، فيه تكريس للقيم الوطنية، وتجذيرٌ لمعانيها.. وأجد أننا في أمسّ الحاجة اليوم لغرس القيم الوطنية في ذهنية شبابنا، وتكريس أن مسؤوليتهم تنتهي بنهاية حدود الوطن؛ بدلاً من أن يكونوا طرفاً في كل أزمة في أرجاء العالم الإسلامي؛ وكأننا دون غيرنا مسؤولين عن أزمات خلق الله؛ لندع الخلق للخالق، ونلتفت إلى تنمية بلادنا وتحضرها؛ ونغرس قيم (الوطنية) بدلاً من القيم (الأممية) التي ذقنا منها ومن دعاتها ومن تبعاتها ما جعل شبابنا حطباً يحترق في سبيل الآخرين.
إلى اللقاء.