قد تقضي عمرك كله وأنت تقدم للناس خيراً ينتفعون منه، وقد توقد روحك كشمعة وأنت تتفانى في إرشاد هذا لمصلحته أو مساندة ذاك للوصول لغايته، وقد تنذر حياتك كلها للناس ولخدمة الناس، لكن هذا كله لن يشفع لك، فهؤلاء الناس الذين تجتهد لخدمتهم يتربصون بك، ويتحينون لحظة وقوعك في الخطأ، حتى إذا حدث هذا وهو أمر لابد منه، ففي نهاية الأمر مهما علا شأنك وزاد علمك، أنت إنسان غير معصوم من الخطأ أو الزلل؛ أسقطك الذين نذرت نفسك لخدمتهم وشنوا عليك حملات لا تتوقعها للتشنيع والتشهير بك...
السؤال الذي يداهمني دائما: هل نحن نعتقد فعلاً بعصمةكبرائنا وعلمائنا ومشايخنا حتى لا نقبل من أحدهم أن يزل أو يخطئ ولو مرة واحدة في حياته؟ أم أننا أناس لا خير فيهم، ولا يثمر فيهم المعروف حتى نتصيد خطأ واحداً من أحدهم لنتغنى به ما بقينا وننسى معه كل ما قدم قبله لنا من خير وصلاح؟ كل الذين نراهم الآن في واجهة الأحداث، هم قبل كل شيء وبعده بشر لا تكتمل خصالهم، ولا بد أن يكون فيهم ضعف وعيب يتفاوت بحسب قدرتهم على تحييده أو إخفائه، وهم على هذا عرضة لخطأ ما في رأي أو فكرة أو سلوك. فإن كنا نحن نرتكب الأخطاء بشكل دائم ولا نتركها، ومع هذا لا نشكك في نوايانا ولا في ضمائرنا وعقائدنا، وأخطاؤنا تتسبب في هذه الفوضى العارمة في عالمنا، فلمَ نعيب على أحدهم ونكيل له التهم ونشكك في نواياه وعقيدته عند أول خطأ يرتكبه في حياته، ونسحب منه كل ما قدمه من خير، ونجرده من كل ما نبقيه لنا من صفات وخصال على الرغم من تكرر أخطائنا ووضوح آثارها؟
ولمََ َتكيل أرواحنا الأمور بمكيالين، مكيال مرن أساسه أن الله يغفر الذنوب جميعا، وأن الأخطاء أساس الصواب فلا يتعلم الإنسان إلا من خطئه، وأن الذي يعمل لابد أن يخطئ، وأن التسامح والوقوف مع من أخطأ هو أساس متين لا نحيد عنه عندما تتعلق الأمور بنا وبما نحدثه من أخطاء لا تتوقف، والآخر عكس هذا تماما يقوم على التشهير وكيل التهم وعدم التغاضي عن أصغر الأمور، والفجور في الخصام عندما تتعلق المسألة بغيرنا. قيم نفسك، وقيم ما تسمعه الآن من جعجعة عن خطأ هذا أو ذاك ممن أفادونا كثيراً في تبصر طريقنا، ثم قارنها بعدد أخطائك وما أفدت الناس به، لتعرف أننا أبعد الناس عن الحكم بالقسط في معظم أمور حياتنا... والله المستعان.