من المعروف والمسلَّم به أن الجوائز تقدم لأشخاص قاموا باختراعات أو أبحاث تخدم الإنسان والإنسانية، وفي الواقع هناك العديد من الدول والمنظمات الاجتماعية التي تسير على هذا النهج - جائزة للعلوم، للأدب وهكذا...
لقد بدأت جائزة نوبل بريئة شفافة، وقد أعطيت لأشخاص توفرت فيهم الشروط التي وضعها مؤسس هذه الجائزة وهو الفريد نوبل ALFRED NOBLE الذي أراد أن يكفِّر عن ذنوبه لاختراعه الديناميت الذي يستعمل لقتل الإنسان، ولكن هذه المؤسسة سلكت سلوكاً مخالفاً لوصية صاحبها في الآونة الأخيرة، إذ إنها انحرفت عن الغاية التي وضعت الجائزة من أجلها، فأدخلت السياسة في تقديم الجائزة، إذ إنها منحت هذه الجائزة للمعارض الصيني «ليو تي شاو باو»، المحكوم عليه بالسجن أحد عشر عاماً والذي يعتبر مجرماً من وجهة النظر الصينية، وقد كان هناك جدل كبير حول الطريقة التي قدمت فيها الجائزة لهذا المعارض الصيني لأنها جاءت سياسية مئة في المئة والأمر الذي يدعو للدهشة والاستغراب أن الرئيس الأمريكي قد أعلن عن أسفه لعدم سماح الصين للمعارض «ليو» بالذهاب إلى النرويج - أوسلو - لاستلام الجائزة، ولأنها فرضت حظراً على زوجته وأقاربه ومنعتهم من السفر لاستلام الجائزة، وقد اتخذت إجراءات صارمة بهذا الخصوص، وهذا أمر طبيعي من الصين، فهي لن ترضخ لمثل هذا الابتزاز السياسي. وقد سألت إحدى القنوات التلفزيونية التي يوجد لها مراسلون في بيجين عدداً من المواطنين الصينيين عن رأيهم بإعطاء مؤسسة نوبل الجائزة إلى «ليو» فكان الجواب.. أنا لا أعرف من هو.. ليس لديّ وقت للتعليق على ذلك.. إن منحه جائزة نوبل لن يغير من الأمر شيئاً... إنه مجرم.
لقد اعتبرت الصين تعليق «أوباما» على الموضوع بأنه تدخُل سافر في شؤونها الداخلية، وأن إعرابه عن أسفه ليس إلا عملية تسييس للحدث.. وفي منتهى البساطة يمكن للمرء أن يحكم على مقاربة أوباما للحدث... عينه لا ترى ما يحدث في أفغانستان ولا في العراق ولا في الأرض المحتلة يدعي أنه يدافع عن حقوق الإنسان، هنا نسأله أين هي حقوق المواطن الإفغاني البريء وحقوق المواطن العراقي المظلوم؟ ألا يقرأ تقارير قادته العسكريين عندما يعترفون بأنهم قتلوا مدنيين لا ناقة ولا جمل لهم فيما يحدث في أفغانستان والعراق؟ وأين هي حقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرض يومياً للقتل والتشريد، وهدم المنازل واقتلاع الأشجار من أرضه ووطنه؟ تحت أي بند صنّف أوباما إعطاء المنشق الصيني جائزة نوبل؟ وهل يقبل أوباما أن يقدم أحد إلى أحد مواطنيه شيئاً حتى ولو كان ذلك تفاحة؟ إنها مغالطات مفضوحة من قبله ومن قبل مؤسسة نوبل التي فقدت رونقها واحترامهما وشفافيتها، إن ما قامت به هو هرطقة سياسية لا أكثر ولا أقل، وهل يصدق أحد مؤسسة نوبل بأنها قد أعطت الجائزة إلى «ليو» الموجود في السجن مستندة إلى ما يمكن أن نسميه حقوق الإنسان، إن ما فعلته هذه المؤسسة هو تسييس صريح لهذا الحدث، جميع أعضاء اللجنة سياسيون وكل منهم له انتماءاته السياسية، والحالة هذه فإن أي قرار يصدر عنها إنما هو نابع من انتماء سياسي تشرف عليه الولايات المتحدة.. وهذا ينطبق على كل فعل أو إجراء يقوم به الغرب، إذ إن أي كلمة يقولها الغرب ومعه أوباما تحمل هدفاً سياسياً بعيداً عن الادعاء المتعلق بحقوق الإنسان، لقد استيقظ ضمير أوباما ومعه الغرب من أجل حقوق «ليو باو»، علماً أن ذاكرة العالم كله تخبرنا أن هذا الفريق لم يتكلم كلمة واحدة عن حقوق خمسة ملايين طفل أيتام في العراق، وعن حقوق مليونين من النساء الأرامل هناك، وعن حق مليون ونصف الذين قتلوا في غزو العراق.. لماذا لا نسمع صوت أوباما عندما يتعلق الأمر بثلاثمائة طفل فلسطيني الذين تضعهم إسرائيل في غياهب السجون ووراء القضبان والمحرومين من رؤية آبائهم وأمهاتهم، ومن هو الذي نصّب أوباما ليكون قاضياً غير نزيه؟! ماذا لو أراد عربي أن يرفع صوته ليدافع عن سجين أمريكي موجود في سجون أمريكا؟ لقد بلغ غرور القوة الأمريكية والاستهتار بحقوق الآخرين حداً تجاوز حدود المنطق والعقل والعدل والشفافية.
أراد أدوارد نوبل أن يعطي جائزته لكي ينسى العالم ما لحقه من ضرر ودمار نتيجة لاختراعه الدينامينت، لم يضع نوبل جائزته لأوباما ولا لغيره كي يستغلوها سياسياً وبشكل بشع، إن أسف أوباما على «ليو تي شاو باو» وهو أسف غير بريء وغير منزه، إنه أسف مشحون برغبة جامحة لتشويه صورة الصين التي لا تعبأ بأوباما ولا تهتم بأي انتقادات من أي جهة كانت، وفي هذا المجال - تقديم الجائزة - نجد أن عدداً من الدول العربية لم تحضر حفلة تقديم جائزة نوبل هذا المواطن الصيني، أوباما ودارته لا تتكلم شيئاً عن تخريب البيئة في العراق، وعن اليورانيوم المنضب الذي استخدمته حكومة سلفه بوش، هذا اليورانيوم المنضب الذي لوّث التربة العراقية والمناطق المجاورة لها والذي كان سبباً في ظهور آلاف المواليد المشوهين والمصابين بالسرطان بنسبة عالية جداً، ولا يفوتنا أن نذكر أن هذه المناطق تحتاج إلى مئات السنين كي تتخلص من آثار هذا اليورانيوم المنضب المميتة، وهنا نسأل لماذا لا يدافع أوباما ومعه الغرب عن حقوق العراقيين؟ وأين هم أصحاب البيئة والمناخ؟ لماذا لم نسمع صوتهم.
إن أسف أوباما على «ليو» هو اختراق فاضح للقانون الدولي الذي يعطي الدول السيادة الوطنية، ويحرِّم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، علماً أن أغلبية الدول لا توافق على تدخل الدول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولذلك فهي لا تحضر المهرجانات التي يسود فيها مخالفات للقانون الدولي.
لقد شوّه السياسيون الغربيون كل شيء بما في ذلك جائزة نوبل أو غيرها التي وضعت لخدمة أغراض إنسانية أو اجتماعية أو ثقافية، ولماذا لا تدافع دول المناخ عن الأضرار البالغة الناتجة عن صناعات الدول العظمى والتي تؤثر على صحة الإنسان في جميع أنحاء العالم، لماذا لا تكشف الحقيقية المرة التي تؤثر على الصحة العامة في جميع أنحاء العالم؟ إن الحقيقة تخبرنا أن الأسلحة المدمرة المستعملة في حرب أمريكا في أفغانستان والعراق والتي استعملتها إسرائيل في حربها على غزة، قنابل فسفورية وغيرها، مثل إلقاء النفايات الكيماوية والنووية في أمكنة بعيدة عن بلدانهم، هذه كلها تفتك ببني البشر دون هوادة، أين حقوق هؤلاء الناس؟
إن هذه الدول الكبرى تخلق المشاكل ومن ثم تسقطها على غيرها، وبذلك تختلق الحجة لإعلان الحرب وتدمير الدول الأخرى، لنتصور كيف أن إنتاج القمح الزائد يقذف في البحر حتى ترتفع أسعار القمح، وبذلك يحرم مئات الملايين من البشر من رغيف الخبز، ما هذه الحضارة الإنسانية؟
هناك من يطالب بشرق أوسط خالٍ من المفاعلات النووية، ويأتي دور الغرب في الدفاع عن إسرائيل النووية، وهنا أعتقد أنه لا بد للدول العربية بأن تعمل على بناء مفاعلات نووية ذات أهداف سلمية، وبذلك تستطيع أن تلتحق بالركب الحضاري العالمي وتوفر الطاقة التي تنفد وتنضب ولو بعد حين، إضافة إلى استخدام طاقة نظيفة تساهم في الحفاظ على بيئة نظيفة بعيدة عن التلوث ولا ننسى أن الإسلام قد حرَّم إبادة الإنسان ونحن كدول شرق أوسط موطن ومنشأ الديانات السماوية الثلاث لا نبالغ إذا قلنا إن الإسلام حرّم قتل الإنسان بغير حق، وقد أثبت المسلمون عبر التاريخ أنهم لم يقوموا بإبادة أي طائفة من الطوائف أو أتباع أية ديانة من الديانات وكانوا إذا لم يجدوا تسمية دينية لطائفة من البشر يلحقونها بالصائبة - المسلمين - والمسيحيين - لم يقوموا بإبادة أية جماعة، وبالمقابل ماذا يفعل الغرب في بلاد المسلمين؟
رحمة الله على جائزة نوبل التي وضعت في الأصل لأغراض إنسانية والتي أصبحت اليوم رمزاً للاستغلال السياسي وشعارًا للمتاجرة القبيحة في المبادئ التي تحترمها شعوب الأرض شرقاً وغرباً تلك المبادئ التي نادت وتنادي بها الديانات السماوية الثلاث.