أعادتني بعض الدراسات المقدمة لمجمع الفقه الإسلامي في جلسته الأخيرة التي عقدت في مكة المكرمة لمقالات كتبتها العام 2005 عن سوق الأسهم، وما حدث فيها من فوضى ومخالفات وتلاعب قادتها في النهاية إلى الانهيار؛ ما توصل له مجمع الفقه الإسلامي بنهاية العام 2010، وبعد «خراب مالطة» ذكرته تفصيلاً قبل الانهيار المشؤوم، وبعده.
جلسة مجمع الفقه الثالثة شهدت مناقشة موضوع «التلاعب في الأسواق المالية»؛ ومن وجهة نظر خاصة أعتقد أن انهيار السوق السعودية حدث لأسباب كثيرة، كان من أهمها التلاعب فيها من قبل أطراف مختلفة. التلاعب الأول كان في تضخيم كبار المضاربين للسوق الهشة، ورفع المؤشر إلى مستوى 21 ألف نقطة، في زمن قياسي؛ التلاعب الثاني خروج النافذين المفاجئ من السوق، ومنهم من يُعتَقد أنه حصل على توجيهات مباشرة بالخروج قبل الانهيار، ما ساعد في حدة الانهيار؛ التلاعب الثالث كان خلفه مديرو صناديق البنوك الذين ربما قدموا مصالحهم ومصالح كبار مستثمري البنوك على مساهمي صناديقهم الذين لا حول لهم ولا قوة؛ والتلاعب الرابع تمثل في فوضى الإقراض الذي مارسته البنوك في سوق الأسهم. كل ما سبق تمت مناقشته بشفافية على صفحات الجرائد، دون أن نجد من يتبنى بعض الأطروحات العلاجية في حينها. كتبت العام 2005 مقالة بعنوان «إدانة صحافيين بتهمة التلاعب بتقارير الأسهم» قارنت فيها بين صرامة الرقابة في سوق لندن، والسوق السعودية وأوردت بعض المخالفات التي تُرتكب بهدف التأثير على مجريات السوق، خدمة لأهداف محددة، جاءت مقالة «مجلس الشورى وانهيار سوق الأسهم»، وما تبعها من مقالات تفصيلية توضح جل ما حدث في السوق؛ كتب غيري الكثير من الأطروحات والتحذيرات، دون أن يجدوا آذاناً صاغية، أو تجاوباً من المسؤولين.
لم تتحدث الدراسات المقدمة عن حالات الانتحار، مشكلات المجتمع، والبعد الأمني لتداعيات الانهيار، وركزت أكثر على الخسائر المالية والمشكلات الأسرية، التي توقَعتُ، وتوَقَعَ كُثر، حدوثها منذ اليوم الأول للانهيار. الدراسة أكدت تعرض 85 في المائة من سكان الرياض لخسارة في سوق الأسهم، والحقيقة أن 85 في المائة من سكان المملكة تعرضوا لخسائر مباشرة أو غير مباشرة بسبب انهيار السوق، وما زال أكثرهم يعانون تداعيات الخسائر!. الدراسة أكدت على أن 40 في المائة «حصلوا على قروض لم تتم الاستفادة منها بينما بقي الدين، وأن 60 في المائة خسروا جميع مدخراتهم وتوقفت مشاريعهم»؛ ولعلي أضيف أن 75 في المائة من مجمل المقترضين دُفِعوا للاقتراض من قبل البنوك التي أغرتهم بالأرباح الضخمة، دون أن توضح لهم المخاطر المتوقعة؛ كان للبنوك الدور الأكبر في إغراق المجتمع بديون سوق الأسهم التي أضرت بالسوق من جهة، ودمرت المقترضين والمجتمع على حد سواء؛ تحولت البنوك من سياسة الإقراض التنموي، والاستهلاكي إلى تمويل المضاربات في سوق الأسهم، وهي تعلم علم اليقين أن ما يحدث في سوق الأسهم؛ تلك الأيام؛ كان جزءاً من (المقامرة) لا الاستثمار. استغلت البنوك قفزات المؤشر القياسية لإغراء المتداولين، وجرهم إلى الاقتراض (الاستثماري) مقابل رهن الأسهم، وتمادت البنوك في قبول نسبة رهونات متدنية محملة المقترضين مخاطر كبيرة دفعتهم نحو هاوية الإفلاس، في الوقت الذي ضمنت فيه أموالها المُقرَضة كاملة دون نقصان. بعض البنوك تجاوزت الأنظمة، فعمدت إلى إقراض المشتركين في صناديق الأسهم التي تديرها مقابل رهن وحداتهم في الصندوق. لم يعلم صغار المستثمرين شيئاً عن إقراض التداول إلا بعد أن سوقت البنوك عليهم منتجاتها المشؤومة. صممت صناديق الأسهم على فلسفة «خفض معدلات المخاطر» إلا أن البنوك، وتحت مؤثرات الأرباح المزدوجة من التمويل وعمولات التداول، حولتها إلى صناديق عالية المخاطر، ووضعت إدارتها في أيدي من لا يُحسن التدبير، فحلَّت الكارثة. مجموعة مقالات «صناديق الاستثمار في الأسهم والتغرير بالمستثمرين (3،2،1)» حملت بعض مخالفات صناديق البنوك وأثرها في الأزمة.
خمس سنوات (كبيسة) مرت على الانهيار دون أن نجد دراسة شاملة تُعنى بأحداث فبراير الأسود، ومرحلتي الصعود القياسي والانهيار المدمر؛ ما زلنا في انتظار فتح «الصندوق الأسود» الذي يحتوي على كامل المعلومات المهمة المُغيبة عن المتضررين. قضية انهيار سوق الأسهم السعودية، وخسارة 85 في المائة من المواطنين مدخراتهم، لن تُلغَى بالتقادم، ولن نقبل بتسطيحها من قبل بعض المختصين، فخسارة المواطنين، السوق، والاقتصاد أكثر من تريليوني ريال تُعد من الكوارث المالية التي تحتاج إلى استخلاص العبر، ومحاسبة المتسببين فيها على حد سواء.
فتح السوق للأجانب
تتحدث بعض المصادر عن قرب فتح السوق السعودية للاستثمار الأجنبي المباشر كمرحلة أخيرة للمراحل التمهيدية التي تم تطبيقها بنجاح. هيئة السوق المالية مطالبة بتأكيد الخبر أو نفيه تمشياً مع متطلبات الشفافية، وحماية للسوق والمتداولين، ومنعاً لاستغلال كبار المضاربين والمستثمرين للخبر.