أن تنظِّم جامعة عريقة وكبيرة؛ مثل (الجامعة الإسلامية) في المدينة المنورة مؤتمرات ثقافية وفكرية، بذاك المستوى المتميز الذي شهدناه ورأيناه وعشناه قبل أسبوع في طيبة الطيبة، فهذا أمر طبيعي وجيد تشكر عليه الجامعة، ويثمن لمعالي مديرها النشط الدكتور (محمد العقلا)، ولكافة.....
..... المتعاضدين معه من منسوبي الجامعة، وهو دور طليعي، تمارسه جامعة عالمية تشرق بأنوار المعرفة والهداية لبني البشر، على أكثر من مئة وثمانين دولة في قارات العالم، مثلها مثل الشمس التي لا تغيب، حتى ولو داهمتها جحافل الظلام.
* المؤتمر العالمي الأول الذي نظمته الجامعة على مدى ثلاثة أيام، وجاء مستهدفاً إبراز (جهود المملكة العربية السعودية في خدمة القضايا الإسلامية)، كان بمثابة توثيق تاريخي لمواقف سياسية وثقافية وإنسانية نهضت بها المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً طيلة ثلاثة عشر عقداً من تاريخها، لنصرة الشعوب الإسلامية، والأقليات الإسلامية، ودعم قدرات المسلمين في بلدانهم للدفاع عن أنفسهم وأوطانهم، وتعزيز وحدتهم وديانتهم، وإعانة الملهوف من بينهم، انطلاقاً من مكانة المملكة القيادية في قلب العالم الإسلامي، ومكانتها ابتداءً في قلوب المسلمين أنفسهم، فهي مهبط الوحي، وهي قبلة المسلمين، وهي صاحبة الريادة في التقريب بين الخصماء منهم، والرائدة في دعم السلم عربياً وإسلامياً ودولياً كذلك.
* كنت سعيداً بهذا المؤتمر وبما دار فيه من أبحاث رصينة، ودراسات معمقة، والذي أسعدني أكثرحقيقة، هو هذا التنوع المعرفي والفكري والبشري أيضاً الذي وفره المؤتمر داخل الحرم الجامعي. أكثر من مئة بحث علمي موقَّع من مئة باحث وباحثة، إلى جانب المتحدثين من ضيوف الجلسات الحوارية ومديريها ومنسقيها الذين ناهز عددهم الخمسين بين صالتي الرجال والنساء، ومئات المدعوين من الضيوف، الذين مثلوا مختلف الأطياف العلمية والثقافية. إنها جهود كبيرة بذلت فأثمرت هذا النجاح الذي ميز الجامعة الإسلامية، فما كان هناك من ضيف على الجامعة إلا وهو مسرور مبهور بالتنظيم المحكم، وحسن الاستقبال، وكرم الضيافة، وإخراج المؤتمر كما ينبغي. فشكراً لمعالي مدير الجامعة، الرجل المتواضع الخلوق، وشكراً لكافة زملائه المعاضدين له في برنامج التطوير والتغيير الذي تشهده الجامعة الإسلامية، خاصة وهي تسير إلى الأمام بشكل مطرد.
* الواقع أني هنأت وشكرت الدكتور العقلا مشافهة في مقابلتي له بصالة المحاضرات، وجددت التهنئة والشكر له عندما زارنا وتحدث معنا بالفندق. هنأته على نجاح المؤتمر فكرة وتنظيماً وإخراجاً، وشكرته على أنه يعمل بشكل مدروس ودءوب، على تغيير المفهوم السابق عن الجامعة، ويجهد على تطويرها بشكل يلائم دورها المؤمل منها كجامعة إسلامية عالمية، تقدم العلم والمعرفة والخبرة لطالبيها من مئة وثمانين بلداً حول العالم، وليست موجهة بالضرورة لأبناء المملكة وحدهم، وليس من مهامها حمل غير السعوديين على ما هو عليه السعوديون أو ما يريدون بالضبط. المسألة هنا تتعلق بسمعة الجامعة وبمستقبلها إذا أرادت أن تحفر اسمها في ذاكرة الشعوب الإسلامية، وأن تدخل التاريخ لا أن تبقى على هامش التاريخ. يكفيها أنها ظلت لثلاثة عقود وهي تتمحور حول نفسها دون تقدم يذكر. الجامعات في العالم هي منارات حضارية، منارات نور وإشعاع ونهضة وتطور وتغيير ثقافي واجتماعي، وإذا لم تواكب التطور المعرفي ومتغيرات العصر، فسوف تظل قابعة في ذيل القائمة. نريد من الجامعة الإسلامية أن تلحق بالركب، ليس فقط من خلال تغيير جلدها من الخارج، ولكن تعمل على التغيير والتطوير من داخلها. مقرراتها وبرامجها ومناهجها، وأن تلبي رغبة الجيل المعاصر والقادم في تحصيل علمي بمفاهيم عصرية. أن تقف مقرراتها الشرعية في منطقة وسط بين كافة المذاهب والرؤى والأفكار، وأن تعرف الجامعة التخصصات العلمية والأدبية والهندسية والطبية والرقمية وغيرها.
* هذا مما يساعد على نقل الجامعة من تاريخها القديم، إلى المستقبل، والجامعة خطت خطوات جيدة في هذا الاتجاه، وهو طريق صعب في بداياته، خاصة إذا قوبل بممانعات من داخل الجامعة نفسها، وأعتقد أن الدكتور العقلا يواجه مثل هذه المثبطات التي تعودنا عليها في مرافق كثيرة، وهو قادر بعقليته المنفتحة وقدرته على الإقناع، وتجاوز كافة الصعوبات التي تعترضه.
* أعطى المشهد الثقافي في مؤتمر الجامعة الإسلامية الأخير بالذات، شهادة واضحة على أن هذه الجامعة اليوم ليست هي التي كنا نعرفها بالأمس. متى دخل الجامعة باحثون ودارسون ومحاضرون في مؤتمر من أقطار عديدة، وهم يمثلون مذاهب عدة، وتوجهات مختلفة عن المألوف..؟ هذه واحدة. ومتى جاءت المرأة إلى حرم الجامعة، باحثة، ودارسة، ومنسقة، ومشاركة في إدارة حلقة حواركما رأينا في المؤتمر الأخير..؟ هذه ثانية.
* من بين مئة باحث في المؤتمر، كانت هناك عشرون باحثة، من بينهن أربع جزائريات، وسورية واحدة. ومن بين خمسة وأربعين مشاركاً في حوار، ومديراً أو منسقاً له، كانت هناك إحدى عشرة امرأة من جهات أكاديمية وعلمية وإعلامية، وكلها أسماء بارزة في تخصصها.
* من كان يصدق أن زميلتنا الكاتبة المشاكسة (سمر المقرن)، تدخل الجامعة الإسلامية، وتدير من حرمها أمسية حوارية من الجانب النسائي، مشاركة مع معالي الشيخ الدكتور (صالح الحميد)، رئيس مجلس القضاء الأعلى..؟!! أو حتى الأميمتان: (الخميس والجلاهمة)، اللتان أدارتا أمسيتين مماثلتين..؟!
* الجامعة الإسلامية بدون شك تتغير إلى الأفضل، وتتطور إلى الأجمل، وهي تطوي أمسها، لتعيش حاضرها، وتلحق بغدها، فمن سار على الدرب وصل.
* واصلي أيتها الجامعة الكبيرة لأنك كبيرة وعالمية، ومن حقنا عليك، أن تمثلينا في المشهد العالمي الذي لا يعترف إلا بالمتفوقين والمتميزين.