الحمد لله القوي المتين القاهر الظاهر الحق المبين لا يخفى على سمعه خفيف الأنين ولا يعزِبُ عن بصيرة حركات الجنين قضى القضاء بحكمته وهو أحكم الحاكمين أحمده جل وعلا وأشكره شكر الشاكرين وأسأله معونة الصابرين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين كان خير الصائمين- صلوات الله وسلامه عليه- في رمضان في السنة الثانية من الهجرة وبينما رسول الله- صلواته وسلامه عليه- في رمضان في السنة الثانية من الهجرة وإذا به- صلوات الله وسلامه عليه- يعدُ أصحابه لأمرٍ أراد الله جل وعلا لهم غيره وذلك هو غزوة بدر التي سماها الله تعالى وذكرها في محكم كتابه فقال: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وقد ذكر الله تبارك وتعالى طرفاً من ذلك في سورة الأنفال حيث يقول الله تبارك وتعالى: ?وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ?.
قبل أن نتكلم عن غزوة بدر لعلنا نرجعُ قليلا إلى سيرة خير الصائمين عندما كان في مكة وحاول بكل الوسائل حاول- عليه الصلاة والسلام- أن تسمع قريش لدعوته أو تسمح له بتبليغ كلام ربه ولكنها أبت وضايقت الرسول عليه الصلاة والسلام حتى أذن الله له بالهجرة فهاجر- عليه الصلاة والسلام- والصحابة وقد أخذت قريش أموال المسلمين ولم تسمح لهم بأخذ شيء منها وفي شهر رمضان بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أبا سفيان قد توجه من الشام إلى مكة بقافلة لقريش فدعا أصحابه إلى الخروج إليها لأخذ تلك القافلة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا على فرسين وسبعين بعيرا يعقبونها منهم سبعون رجلا من المهاجرين والباقون من الأنصار بقصد قافلة قريش ولا يريدون الحرب لكن الله جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ليقضي الله أمرا كان مفعولا ويتم ما أراد فإن أبا سفيان علم بهم فبعث صارخا إلى قريش يستنجدهم ليحموا قافلتهم وترك الطريق المعتادة وسلك ساحل البحر فنجي أما قريش فإنهم لما جاءهم الصارخ خرجوا بأشرافهم عن بكرة أبيهم في نحو ألف رجل معهم مئة فرسٍ وسبعمائة بعير بطرا ورئا الناس يصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ومعهم القيان يغنين بهجاء المسلمين فلما علم أبو سفيان بخروجهم بعث إليهم يخبرهم بنجاته ويشير عليهم بالرجوع وعدم الحرب فأبو ذلك، وقال أبو جهل: والله لن نرجع حتى نبلغ بدرا ونقيم فيها ثلاثا ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا. أما رسول الله صلي الله عليه وسلم فإنه لما علم بخروج قريش جمع من معه من الصحابة فستشاورهم وقال: إن الله قد وعدني إحدى الطائفتين إما العير أوالجيش فقام المقداد بن الأسود وكان من المهاجرين وقال يا رسول الله امضي لأمرك امضي لما أمرك الله عزوجل فوالله لانقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون لكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك وقام سعد بن معاذ الأنصاري سيد الأوس فقال يارسول الله لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقا عليها إلا تنصرك إلا في ديارهم وإني أقول عن الأنصار وأُجب عنهم فأضعن حيثُ شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ماشئت وأعطنا منها ماشئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت وما أمرت فيه من أمر فأمرنا فيه تبعُ لأمرك فوالله لإن سرت بنا حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ولأن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما نكره أن تكون تلقي العدو بنا غدا إننا لصبرٌ عند الحرب صدق عند اللقاء إننا لصبرٌ عندالحرب صدق عند الله ولعل الله يريك منا ماتقر به عينك فسر النبي صلي الله عليه وسلم لما سمع من كلام المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وقال: سيروا وأبشروا فوالله لكأني أنظر إلى مصارع القوم فسار النبي صلى الله عليه وسلم بجنود الرحمن حتى نزلوا أدنى ماء من مياه بدر فقال له الحباب بن المنذر بن عمر بن الجموح يارسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلٌ أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه ونتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي والحرب والمكيدة فقال يارسول الله: إن هذا ليس بمنزل فأنهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ماوراءه من القُلب ثم نبني عليه حوضا فنملأه ونشرب ولا يشربون فاستحسن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرأي فنهض ونزل بالعداوة الدنيا مما يلي المدينة وقريش بالعدوة القصوى مما يلي مكة وأنزل الله تلك الليلة مطرا كان على المشركين وابلا شديدا ووحلا زلقا يمنعهم من التقدم وكان على المسلمين طلا طهرهم ووطأ لهم الأرض وشد الرمل ومهد المنزل وثبت الأقدام وبنى المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا على تل مشرف على ميدان الحرب ثم نزل صلى الله عليه وسلم من العريش فسوى صفوف أصحابه ومشى في موضع المعركة وجعل يشير بيده إلى مصارع المشركين ومحلات قتلهم يقول هذا مصرع فلان يقول هذا مصرع فلان إن شاء الله هذا مصرع فلان فما جاوز أحد منهم موضع إشارته صلى الله عليه وسلم ثم نظر عليه الصلاة والسلام إلى أصحابه وإلى قريش فقال اللهم هذه قريش جاءت بفخرها وخيلائها وخيلها تحادك وتكذب رسولك اللهم نصرك الذي وعدتني اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لأتعبد واستنصر المسلمون ربهم واستغاثوه فاستجاب لهم: ?إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّار?، ثم تقابل الجمعان وحمى الوطيس واستدارت رحى الحرب ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش ومعه أبو بكر وسعد بن معاذ يحرسانه فما زال صلى الله عليه وسلم في العريش ومعه أبو بكر وسعد بن معاذ يحرسانه فمازال صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ويستنصره ويستغيثه فأغفى إغفاءة ثم خرج يقول:(سيهزم الجمع ويولون الدبر) وحرض أصحابه على القتال وقال والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبل غير مدبر إلا أدخله الله الجنة فقام عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن فقال يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم قال: بخ بخ يا رسول الله ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء لئن حييت حتى أكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة ثم ألقى التمرات وقاتل حتى قتل رضي الله عنه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من تراب أو حصى فرمى بها القوم فأصابت أعينهم فما منهم واحد إلا ملأت عينه وشغلوا بالتراب في أعينهم آية من آيات الله عز وجل فهُزم جمع المشركين وولوا الأدبار واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون فقتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين أما القتلى فألقي منهم أربعة وعشرين رجلا من صناديدهم في قليب من قلبان بدر منهم أبو جهل وشيبة بن ربيعة وأخوة عتبة وابنه الوليد بن عتبة وبهذا انتهت معركة بدر بنصر مبين للمسلمين وهزيمة ماحقة بالكافرين وكان فرقان بين الحق والباطل ولازال المسلمون يتذكرون هذه المعركة ويتذكرون خير الصائمين محمد صلى الله عليه وسلم اللهم تجاوز عنا سيئاتنا بجميل كرمك ولا تقطع عنا عوائد نعمك واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين اللهم يا كريم يا غفور اللهم اغفر لنا بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.