Al Jazirah NewsPaper Monday  06/09/2010 G Issue 13857
الأثنين 27 رمضان 1431   العدد  13857
 

دفق قلم
اللهم اجزهم خيراً
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

لا تقع عين الزائر للمسجد الحرام على صورة من صور الخدمات الكبرى التي تقدَّم لضيوف بيت الله الحرام إلا وعلى لسانه كلمة (اللهم اجزهم خيراً)، لأن الصورة في هذه البقاع الطاهرة مشرقة الإشراق كله، مضيئة الإضاءة كلها، صورة تبرز فيها خدمات جليلة تقدم في هذه البقاع التي لا نظير لها على وجه الأرض، مئات الآلاف من المعتمرين يتدفقون في أوقاتٍ محدّدة معلومة على مساحة محددة معلومة، كأنهم سيل جارف ينحدر من شعاب مكة المكرمة وأوديتها وشواهق جبالها، ليصبَّ في أروقة المسجد الحرام وساحاته بما له من جلبةٍ وجلجلةٍ وصخب يكاد يُصمُّ الآذان. ومع هذا التدفق والضجيج فإن أثر بَذلِ الجهد وتقديم المستطاع واضح كل الوضوح في خدمات متعددة تجري على مدار الدقيقة وليس الساعة مواكبة لهذه الجموع الغفيرة المتدفقة، أفلا يستحق أصحاب هذه الخدمات أن يقال لهم (اللهم اجزهم خيراً)؟

كنت واقفاً انتظر فسحة من الزِّحام لأسلك طريقي إلى باب الملك عبدالعزيز في الحرم المكي الشريف، وفجأة وقع إناء من يد أحد المشاة في بؤرة الزحام، وانفلت غطاؤه فانسكب منه لبنٌ على الأرض بكمية كبيرة، وارتبك الناس ووطئته الأقدام فزادت من مساحة انتشاره على الأرض، وما هي إلا لحظة لم أحسب وقتها ولكن لم تتجاوز الدقيقة - كما أظن - حتى رأيت مجموعة من عمال النظافة يتجهون إلى المكان بسرعة فائقة، ويطلبون من الناس أن يفسحوا لهم الطريق، حتى وصلوا إلى المكان ونظَّفوه أحسن تنظيف في وقت قصير جداً، وانطلقوا، قلت في نفسي: هذه لقطة تلقائية رائعة تستحق التسجيل، أما الجنود ورجال الأمن، والمرور، وشرطة الحرم فإنهم يبذلون جهوداً مضاعفة في خضمِّ هذا الطوفان البشري العجيب، قلت لأحدهم؛ وقد رأيت أثر الإرهاق الشديد على وجهه، وسمعته من خلال صوته الواهن المتعب: استعن بالله فأنت تقوم بخدمة جليلة جزاك الله خيراً وأعانك، ولم يكد يردُّ على كلامي حتى اتجهت إليه كوكبة من الناس من جنوب شرق آسيا يسألونه عن شيء فغاص معهم في الزحام، وأشار إليَّ بيده مبتسماً معبِّراً عن سروره بما قلت له.

إن لاقطات التصوير التلفازي، برغم ما تقدِّمه من لقطات مختلفة لهذا المشهد الإسلامي الكبير، لا تقدم إلا جزءاً صغيراً من الصورة الكبيرة التي لا حدود لها.

هنا في مكة المكرمة عالم من العمل الدؤوب والخدمات المتواصلة، الدعوة والإرشاد، الدروس الدينية والعلمية، خدمات الأمن والسلامة، خدمات النظافة والصيانة، خدمات الإرشاد والتوجيه لمواكب المعتمرين، خدمات المرور والسير، الخدمات الإعلامية، الجهود الخيرية البارزة في الإحسان إلى الناس، والصدقة على المحتاجين، وتفطير الصائمين، الخدمات الطبية التي لا تتوقف، خدمات فض اشتباكات الزحام، وفك عُقد التلاحم التي تحدث فجأة هنا وهناك، سواء في ساحات الحرم المكي الشريف، وفي صحن مطافه، وفي مسعاه، وفي بواباته وسلالمه الكهربائية وغير الكهربائية، أم في الشوارع والممرات المجاورة للحرم، أم في مسارات السيارات ومواقفها والأنفاق المحيطة بالبيت الحرام.

(اللهم اجزهم خيراً) أولئك الذين يقدمون خدماتهم لهذا البلد الأمين ابتداءً من الدولة ورجالها بقيادة خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله -، وانتهاء بأصغر عاملٍ يقوم بمهمته في هذه البقاع المباركة، والحمد لله الذي هيّأ لنا في هذه البلاد الطيبة هذا الفضل العظيم.

إشارة

يا حصون الإسلام منك انطلقنا

وإلى ربنا العظيم المآل

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد