حين تأخذنا الأشواق بعيداً.. وترحل بنا في دروب قد تطول فنرى تفصيلات معالمها، وقد تقصر فنرى من اشتقنا له يلتقينا في دربنا مختصراً طول الطريق وعناء المسافة.. حينها نُسائل النفس كيف لنا أن نشتاق لمن يشتاق لنا
|
في اللحظة ذاتها التي سكن الشعور بها أفئدتنا؟ وكيف نخال الشيء حدثا فإذا به يقع؟ في لحظة كان خيالنا وليد وقته لا نتاج حسابه؟
|
أسئلة كهذه كثيراً ما استوطنت فكري، وكنت أظنها عرضاً لا يعدو محض مصادفة تقاطع فيها خيال بواقع.. وكنت أظن مجرد طرح هذه الأسئلة لا يعدو سطحية وعرضية تلك المصادفة.. إلى أن استثارها في خاطري تفكير صاحبي الذي فكر بها بصوت مرتفع..
|
|
في كثير من الأحيان كيف أفكر في شخص وما ألبث أن أجده يرن هاتفي أو يصادفني وجهاً لوجه؟ وماذا يعني قوله لي كنت أفكر بك؟ هل حقاً تقاسمنا الشعور في اللحظة ذاتها أم أنها لعبة المصادفات؟
|
جواب سؤاله أو طرف من جوابه يكمن في علم ما زال يصارع في كثير من المجتمعات ليحسب على العلوم؛ فما زال الكثير يراه أضغاث أحلام وشبهة خرافات، وما زال البعض يظنه ادعاءات لا تخضع لقانون العلوم والمعارف..
|
إنه علم الباراسايكولوجي parapsychology وفرعه علم التخاطر telepathy الذي يدعي حدوث حالات إدراك عقلي وتأثيرات على الأجسام الفيزيائية دون تماس مباشر معها أو تواصل بطريقة فيزيائية مألوفة.. ولعل من أشهر القصص التي يستدل بها مؤيدو هذا العلم في تراثنا العربي هي قصة (سارية الجبل) لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفيها أن سارية بن رنيم كان يقاتل بجيش المسلمين، وقد تكالب عليه الأعداء، وفي اللحظة ذاتها كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يخطب يوم الجمعة بالمسلمين في المدينة على بُعد مئات الأميال منه، فإذا به ينادي بأعلى صوته وسط خطبته: يا سارية الجبل من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم. فسأله الناس ما هذا يا عمر؟ فقال هو كلام ما ألقيت له بالاً شيء أتى به على لساني! وبعد أن قدم سارية على عمر في المدينة قال: يا أمير المؤمنين كنا محاصرين العدو وكنا نقيم الأيام لا يخرج علينا منهم أحد، نحن في منخفض من الأرض وهم في جبل، فسمعت صوتك ينادي يا سارية الجبل فعلوت بأصحابي الجبل، وما كانت إلا ساعة حتى فتح الله علينا.
|
ولأني لستُ أميل هنا لمؤيد ومعارض فلن أخوض في علم أو افتراض له رجاله، ولن أجد لصاحبي جواباً كالوشم لا ينكره الرائي.. لكني أستشعر أن صفاء النفس يقابله صفاء.. وصدق المبتغى تحتضنه هالة الخوارق التي تجاوز به المدى وتعبر به المسافات.. والروح معجزة الرب وأمره تحمل في كنهها فطرة تحاصرها جيوش التأثير خيراً وشراً.. روح قد تجاوز جسدها لتصل إلى الآخر شوقاً أو خوفاً وتحل بأرضه بشيراً أو نذيراً.. أما من أين كل هذا الشعور فهو سؤال يروق لي ترديده شعراً بقصيدة البردوني:
|
من أين تهمسين لي؟ |
فتستعيد الأهويه |
من أين؟ إنني على |
أيدي الظّنون ألهيه |
من حيث لا أعي ولا |
تدرين أي أحجيه؟! |
وتهمسين لي كما |
يندى اخضرار الأوديه.. |
أتشعرين أنني |
ألقاك كل أمسيه؟ |
على جفون خاطر |
أو احتمال أمنيه. |
|