ما أن تتوقف بسيارتك عند أحد التقاطعات الرئيسية في مدينة جدة بانتظار اللون الأخضر في الإشارة الضوئية، إلا ويظهر أمامك « شلة « من الباعة المتجولين، و» شلة « مثلهم من المتسولين، أما الباعة فيتلونون بحسب المواسم والأوقات، فيبيعون قنينة الماء البارد في عز الظهيرة، وباقات الورد وعقود الفل بعد الغروب، ومع قرب الأعياد تتركز بضاعتهم على ألعاب الأطفال وزينة السيارات وحتى الأدوات المنزلية !
وأما المتسولون فيزدادون كثافة في رمضان كموسم مناسب جداً لاستدرار العواطف والعزف على وتر الشفقة، وجميع أولئك يظهرون من حيث تدري ولا تدري، لقد باتوا جزءاً من ثقافة الشارع، إنهم زاوية لا يمكن إنكارها من زوايا الصورة عند توقفنا بانتظار إشارة المرور، لم تعد العين تستنكر وجودهم، وضميرنا الناقد يبدو قد ألفهم فلم يعد يتفاعل مع مشكلتنا معهم، والملفت أنك تجدهم من مختلف الجنسيات، ولوحاولوا ستر جنسياتهم بأزياء غيرهم أوبتشابه سحناتهم مع غيرهم، سوف تفضحهم بالتأكيد لكناتهم بمجرد حديثك مع أحدهم .
وبغض النظر عن حجم الظاهرة التي هي لاشك في ازدياد، وبعيداً عن أثرها الواضح في تشويه صورة بوابة الحرمين مدينة جدة ومثلها بقية مدننا باختلاف النسبة والتناسب، وناهيك عما تسببه من اكتظاظ تقاطعاتنا وتعطيل حركة سيرنا في انتظار انصراف أحدهم من أمام سيارتنا، إلا أنه يجدر بنا أن نطرح سؤالاً مشروعاً، من هي الجهة المسؤولة عن مراقبة هؤلاء وبالتالي الأخذ على أيديهم وقطع الطريق على تكاثرهم وتضخم أزمتنا معهم ؟ وسؤال آخر أهم ؟ من يمول هؤلاء ببضاعتهم المزجاة يوميا ؟ لا أعتقد أن مكسب يوم واحد يمكن أن يغذي هؤلاء لتجارة كل يوم، ثم من يقترح عليهم التواجد في مواقع معينة دون غيرها ؟
لست أكتب هنا عن أزقة ضيقة، أوأحياء في الأطراف، أكتب عن محاور رئيسة في قلب المدينة، ومواقع لا يمكن أن تخطئها عين الرقيب بقليل من التمحيص والاجتهاد في البحث .
الأخطر من كل ذلك أن يجلب هؤلاء خلف بضاعتهم بضاعة مشبوهة، وخلف تسولهم أنشطة مجهولة، كل الخطر أن نغض الطرف اليوم عن هؤلاء، فتكبر الظاهرة غداً، ويكبر معها السؤال ؟
محاضر بجامعة جازان
Aymin2008@hotmail.com