لا أخفي سعادتي بالأمر الملكي الكريم القاضي بتنظيم عمل وإصدار الفتوى الشرعية، بحيث تقتصر على هيئة كبار العلماء ومن يوجد فيهم الكفاية والأهلية التامة للاطلاع بمهام الفتوى، لأن هذا الأمر المبارك يُحقق فوائد عظيمة -بإذن الله-
.. في خدمة الدين وخير الأمة وصالح الوطن، كما يرُدعلى (مزاعم باطلة) تستهدف تمييع الدين والتشكيك في صلاحيته الزمانية والمكانية، مع الطعن بمؤسساتنا الدينية وهيئاتنا الشرعية ووصفها بالجمود الحضاري والتضييق على الناس.
من أعظم الفوائد التي سنلمسها إن شاء الله على أرض الواقع (منع الاضطراب ووقف اللغط) بين الناس، والقضاء على الجدل الفقهي (البيزنطي)، الذي قد يقع بين بعض العلماء أو الدعاة أو طلبة العلم الشرعي حول حكم ديني يمس شأن عام، سواءً في جانب العبادات أو المعاملات أو حتى العلاقات مع الآخرين. وهذا لا شك سينعكس إيجاباً على تقليص دائرة الاختلاف الشرعي داخل أتباع المذهب الواحد أو الخلاف بين المذاهب المعتبرة تحت مظلة الوطن. وبالتالي سُيسهم هذا التوجه المبارك في تبيان الحق الجلي للناس على مستوى الوطن وكذلك للجماهير على امتداد الأمة حول القضايا الطارئة والمسائل المشكلة، ما يقطع دابر كل فتنة استيقظت من نومها بسبب رأي ديني غريب أو فتوى شرعية شاذة، كما يُعزز العمل المؤسساتي للفتاوى الشرعية والآراء الفقهية لدى المؤسسات الدينية والهيئات الشرعية والجامعات والمعاهد الإسلامية، خصوصاً أننا نعيش في عالم يحكمه الفكر المؤسسي لكل شؤون الحياة ومجالات الحضارة، وكون الدين يهيمن على حياتنا بشكل شامل فإن التعامل مع تعاليمه وأحكامه وقيمه وفضائله وفق مؤسسات معتبرة يقطع الطريق على ترويج المزاعم الباطلة، التي نتعرض لها على مستوى الوطن وصعيد الأمة، من قبيل الزعم أن باب الاجتهاد الديني مغلق، أو أن مسيرة التجديد الإسلامي معطلة، أو شبهة عدم التخصص في علوم الدين التي يتم تسويقها لهدف تمييع أحكامه وخلخلة ثوابته، وهي دعوى خطيرة تسقط حمى الدين فيكون سوقاً مفتوحة لا ضابط لها لكل من هب ودب، فنجد الداعية يُفتي في شأن كبير للأمة، ومفسر الأحلام يخوض في فقه الأحوال الشخصية، والمفكر يطالب بإعادة قراءة النصوص الدينية وفق مناهج غربية تستند على رؤية فلسفة علمانية مادية. كل ذلك بدعوى أن الدين يسر وهو ليس حكراً على الفقهاء أو العلماء، دون الوعي بأن يسر الدين في أحكامه ومرونة تعاليمه وليس العبث بنصوصه المقدسة وتراثه الفقهي الذي قام على قواعد وأصول مستمدة أصلاً من تلك النصوص. من كل ذلك فإن قرار تنظيم (عمل وإصدار الفتوى) وفق مؤسسات وهيئات معتبرة سيدفع نحو التجديد الإسلامي المنضبط وفق منهجية سلفية واعية، ويفتح باب الاجتهاد الديني بشكل منضبط وأكبر لمواجهة متطلبات حياة المسلمين العصرية، كما يؤكد التخصص في علوم الدين لكل من يحمل الخلفية الشرعية والكفاية العلمية والدراية الفقهية والقدرة العقلية والإلمام بالواقع.
Kanaan999@hotmail.com