لِمَ نجد صعوبة في التعلم في حين أن أبناءنا يتفوقون في تعلمهم في البلاد الأجنبية؟ أهي مشكلة لغة أم مشكلة بيئة حاضنة للتعلم فهي لا تحسنه ولا تجيد قياسه ولا تجدّ فيه كل الجدّ، أفي التعليم وحده الضعف أم في كل أحوال الأمة: في سياساتها وإداراتها وتخطيطها وتنفيذها ومزاولتها لأعمالها وأخلاقها. لم تكن العربية لغة علوم وهي في الجزيرة ولكنها حين صدرت عنها وصارت لغة البلاد المفتوحة أو لغة معظمها انصبت فيها ألوان الثقافات واستوعبت معارف العلم مترجمة ثم تمثلتها لتكون هي الصادرة بها المبلغة عنها فصارت العربية لغةَ العالم ولغةَ العلم، فكانت أوروبا تبعث بأبنائها إلى الأندلس ليتعلموا العربية، واليهود صاغوا نحو اللغة العبرية مقتبسينه من نحو العربية وكتبوه بلغة عربية. حين كان العرب أمةَ قيادة وإنتاج كانت لغتهم عزيزةً مؤثرة، ولكنهم بعد تفكك دولتهم وتغلب الأعاجم على سياستهم انحسرت العربية الفصيحة في بيئات تعليمية ضيقة وفقدت تأثيرها العام في الأمة، وهكذا انكفأ عامة الناس في بيئات منعزلة على لغات محلية كانت قديمة قدم العربية مستمرة استمرارها؛ ولكنها لم تكن بعيدة عن الفصيحة كل البعد. وبسبب من الإقليمية بل البيئية الضيقة صارت اللهجة المميزة لها رمزَ هوية وانتماء لهذه البيئات في ظل تفكك عربي وتشرذم كان نتيجة عزلة طويلة وزاده التقسيم الاستعماري الحديث الذي خلق كياناتٍ سياسيةً منفصلةً فعزز الانفصالُ الشكلي الانفصالَ في المضمون، وصارت الفصيحةُ محصورةً في نطاقات رسمية ضيقة، وحين سيطر الإعلام على حياة الناس كان للعامياتِ نصيبُ الأسد، ومع انتشار البث الفضائي تعالت أصوات العامية وسادت سيادةً قوية زحزحت العربية عن مجالها. والإعلام أثره خطير فقد كاد يكون بديلا تربويًّا للبيت والمدرسة، فكثير من المعارف والعلوم والقيم تبث فيه بشكل متواصل عشوائي، والمرء يتأثر حسب ميوله وما يشاهده من أعمال، ولذلك يمكن للإعلام الرفع من شأن العربية وتعزيز تعليمها ويمكن أن يكون له أثر سلبي كما هو حال كثير من الفضائيات الجذابة. وفي ظل هذا الوضع الذي وضعته الفصيحة نشأت صعوبة من أهم صعوبات تعلمها وهي أنها تعلم لأهلها كأنها لغةٌ ثانية، وحيدت العربية فلا هي لغة علم ولا هي لغة عمل، وصار من صعوباتها الخلط بين المعرفة اللغوية والمهارة اللغوية، وكذا الخلط بين النحو العلمي والنحو التعليمي، والغفلة عن مراعاة التعلم على التراكمية، كما أهمل المحتوى التعليمي النوعي، والكيفية التعليمية الصحيحة، والاعتماد على كيفيات التدريب، والاهتمام بالقياس، وبيان أثر انتشار التعليم وكثرة المتعلمين وارتباط التعليم بزمن، والطالب ركن من أركان التعلم، ففاعليته مؤثرة وسلبيته ومشكلاته النفسية كالخوف من الخطأ أو رهاب الجمهور من صعوبات التعليم والتعلم. ومن الصعوبات ما يتعلق بالمعلم وقدراته وتطويرها المستمر، ومن صعوبات التعلم الزمان المخصص وحسن الاستفادة منه واستثماره، والمكان الذي هو بيئة التعلم ما لم تكن حسنة وافية بما يقتضيه كانت من صعوبات التعلم، وجاءت التقنية لتكون فتحاً في تعليم العربية وتعلمها، ولكن العلاقة منفكة بين التقنيين والمتخصصين وهذا ما قد يعوق النهوض بها ونشرها في العالم الذي تتسابق فيه اللغات إلى الانتشار والصمود في عالم متغير.