هي الكتابة ملاذنا من الجنون !! معتذرين من (فرويد). فبسببها قرأنا وجوهنا، إن تكن ثمة وجوه مكتوبة بالحبر السري فقد كفى أن نحمل أدوات الكتابة والقراءة من السبورة والطبشور إلى سريالية حياتنا التي لا نملك منها غير الذي ننفقه شغفا. غيرنا يعبرون قفزا سباق الحواجز ونحن نسخن كي نطلق رحلة سباق المسافات الطويلة. إنّ السرّ الغير قابل للشعر وصباحات الرسائل الممطرة من غيوم الشمال التي نسيتْ أنها غيوم وظلت تحرس الذين كتب عليهم الشعر: معصية ً لا انفكاك منها. فهي حروف تلقينا على شواطئ بعيدة - أبعد ما يكون ! - ونصرخ ضارعين فلا يصفق لنا جمهور الأوركسترا إذْ أنّ صراخنا هو خروج عن النص الذي تكمن رائحة حبره في الأجساد الحائرة من تقلب الفصول. ليس ممكنا أن نقف وحيدين نتأمل طيور الخلاء وهي تتجمع كأنما ل: تتآمر ! ثم تفرّ لا نسمع سوى ناي ٍ بعيد، يحاول الحنين فيظل السبيل، لأن شوارع المدينة العتيقة رهن الموت واقفة. وهي واقفة مثلنا حين نقف إمعانا في ذاكرة ولدت قبل زمنها بمئات من السنين. فلا تعرفنا ولا نعرفها إلا رجما بالغيب.
كل مكاتيب الصغار الطاهرين مشفوعة بجلد الذات، بالندم العميق، العميق كأنه بئر حلزوني، آن أن تعيش المتاهة. ألم تكن مناماتك ذات عمر تتمحور حول الآبار والأمطار ؟!، ما هو المطر في الحلم ؟!. يقول صوت قريب مني لا يفصل جدارينا سوى إسمنت ثقيل منتقى ! المطر: فتنة !. فيا للفتن التي حين كادت تفرغ ذخائرها بجسدي المقهور نادى بها منادٍ أن دعوه ليشقى !
في الصباح فيما بعد الحلم يكون كل شيء قاتما ومعتما وله ظلال الريبة التي تقوم بدهن جدران المدينة بالألوان الحالكة. وكان علينا أن ننسى الحلم منذ أن يصحو أحدنا منتظرا تآلف الروح مع الجسد، في برهة أسطورية يبدأ العطش الذي عشته وأنت تتظاهر بالتكيف، وتدّعي الموضوعية. بينما أنت في داخل شعورك الخفي بالمألوف. أو: الانطباع بالتآلف، الذي ينطلق منك دون ذكرى محددة. لم يسبق أن رأيت فلانا وهو يمارس رياضته الشخصية جدا، فهل في حالتها يمكنك التموضع ككاميرا المراقبة ؟. يا للسخف !. إن في دماغك جهازا أكثر دقة من الكاميرا، ليس أكثر دقة بل : هو يمتلك القدرة على تصوير الروائح والتقاط الموسيقا الداخلية التي تتمثل في التنفس. إننا لا نتنفس كثيرا ولهذا حين كان عليك الوقوف، حين حان زمن الصمت و الكتمان لم تتوقف ولم تكن جديرا بالكتمان.
Jarallah_al7maid@hotmail.com